يظن البعض أن العيش وسط العائلة الملكية عبر العالم يعني حياة مليئة بالرفاهية والثراء والحرية، لكن الحقيقة عكس ذلك. إذ تتطلب المعيشة مع العائلة الملكية، خاصة البريطانية، الالتزام الضروري بالقواعد والقوانين واحترام الالتزامات والبروتوكول الخاص بها، غير القابل للخرق مخافة الرد القاسي.
بعودة إلى التاريخ، نعرف جميعا معاناة الأميرة ديانا الطويلة مع قوانين العائلة البريطانية. إذ بمجرد وصولها المعقد للعائلة المالكة سرعان ما واجه زواجها بآنذاك الأمير تشارلز صعوبات عدة، كخيانة الأمير لها وتعرضها لاضطراب الأكل الذي يجعلها تأكل بشراهة، وكذا حياتها في القصر التي كانت بمثابة السجن.
تعرضت أميرة القلوب ديانا إلى ظلم إعلامي كبير. إذ كانت تواجه مضايقات عدة من طرف المصورين وخاصة أولئك المواليين للنظام الملكي. ويبدو أن السيناريو أعاد نفسه مع ميغان زوجة الأمير هاري التي تعرضت هي الأخرى إلى ضغوطات مما جعل الأمير يتخذ أهم قرار في حياته بمغادرة العائلة الملكية. فما الضغوطات التي تعرضت إليها ميغان؟ وماهي أسرار الزوجين التي لطالما حاولا إخفاءها؟ كل هذه التساؤلات سنجيب عليها في هذا المقال التحليلي لوثائقي نيتفليكس هاري وميغان.
افتتاحية وثائقي نيتفليكس هاري وميغان Harry & Meghan
تفتتح أولى حلقات وثائقي هاري وميغان بتاريخ انتهاء تصوير المقابلات في غشت 2022 قبل شهر واحد من وفاة الملكة إليزابيث الثانية. بداية الحلقة الأولى من سلسلة تتكون من ست حلقات تبين أن رواية هذا الوثائقي لن تكون سهلة التقبل، من طرف العديدين من مواطني بريطانيا. ناهيك عن العائلة الملكية التي رفضت التعليق على محتوى هذه السلسة، مما جعل البعض يتساءل لماذا كل هذا التجاهل من طرفهم؟
ظهر هاري للمرة الأولى في الوثائقي عبر فيديو سجله سابقا بعد أسبوعين بالتحديد على انتهاء آخر فترة ارتباطه وزوجته بالعائلة الملكية في مارس 2020. مع عرض صور لآخر ظهور لهما في بريطانيا أثناء تأدية مهامهما. يعلق هاري ويقول : “من الصعب حقا النظر إلى الوراء الآن والتأمل، ماذا حدث بحق السماء؟ وكيف انتهى بنا المطاف هنا؟”.
تساؤلات ترجع بالأمير لماض قريب مؤلم. إذ لم يتخيل يوما أن يعيش كل هذه التقلبات والمصاعب. تم نشر خبر الانفصال في كل الوسائل الإعلامية البريطانية مستعينة بعناوين قاسية ك “هاري يسير في مسار تذمير الذات”.
كيف انبثقت فكرة الوثائقي؟
تحدث هاري عن الكراهية التي تمت إثارتها على مدى 3 سنوات خاصة ضد ميغان وابنه أرتشي، وقلقه الشديد حول سلامتهما. حيث صرح أن من وظيفته حماية عائلته الصغيرة. وأوضح أن هناك استغلال ورشوة يحدثان في وسائل الإعلام البريطانية من أجل تدميرهم.
مشاعر الخوف وعدم الأمان حاضران في حياة الزوجين، وخاصة الضغط المستمر الذي يطغى عليها حتى بعد مغادرتهما للعائلة. الشيء الذي جعلهما يحبذان فكرة صديقهما الذي شجعهم بالفعل على بدء مشروع الفيلم الوثائقي. وحسب قول هاري: “مع كل المعلومات المضللة التي تدور هناك، خاصة عنا، وعن مغادرتنا بدت فكرة الوثائقي فكرة جد معقولة”. فيما أضافت ميغان: “خلال السنوات الماضية تم التحدث وكتابة قصتنا من طرف أشخاص لا نعرفهم. أليس من المنطقي سماع قصتنا منا؟”.
“لنتحدث عن قصة اللقاء”
التقى الزوجان في يوليو 2016. حيث كانت ميغان عزباء في تلك الفترة، وخططت لقضاء عطلة الصيف مع صديقاتها قبل العودة لتصوير موسم آخر من مسلسها. تقول ميغان أن كل شيء كان مرسوما في حياتها، مسيرتها المهنية، حياتها الخاصة وعلاقاتها، إلى أن ظهر “إتش” أي هاري. لتنقلب حياتها رأسا على عقب.
رأى هاري ميغان بالصدفة عبر منصة إنستغرام، عن طريق صديقة مشتركة والتي اقترحت على ميغان الالتقاء بصديق سأل عنها. تساءلت ميغان “من هذا؟” وأجابت صديقتها “إنه الأمير هاز” في حين تساءلت ميغان “من يكون؟”.
الفضول دفع بميغان للبحث عن الأمير “هاز”، إذ تصفحت حسابه عبر الانستغرام، أعجبت بشكل كبير بتصويره الفوتوغرافي، واللقطات البيئية في إفريقيا.
رغم تواصلهما لمدة، إلا أنهما لم يلتقيا شخصيا إلا في وقت لاحق. وذلك عندما ذهبت ميغان للندن لحضور فعالية بطولة التنس “ويمبلدن”. هناك التقى هاري وميغان في شارع “دين”. وتأخر هاري على موعد الالتقاء الأول.
تخوفت ميغان من أن يكون الأمير مغرورا كما هو معروف عن الشخصيات المشهورة. لكنها قالت أنه “كان في غاية اللطف ومرح بطريقة منعشة”، واسترسلت قولها “كنا مثل الأطفال معا“.
نجاح اللقاء الأول جعل الثنائي يرتبط ببعضهما البعض بسرعة. لتبدأ رحلة حبهما. رحلة مليئة بالفرص، الحب، الثقة، والراحة. ظهرت معالم الحب والإعجاب على هاري وميغان مما جعل المقربين منهما يلاحظون ذلك التغيير السريع.
“اتخذت القرار بقلبي كما كانت تفعل أمي”
وعلى عكس رجال العائلة الحاكمة، الذين يتخذون قرار الزواج بالعقل ويبحثون عن أشخاص مناسبين للمنصب بدلا من شخص عادي. قرر هاري اتخاذ هذا القرار بقلبه لا بعقله. ورفض التفكير بالطريقة التقليدية التي يتبعها كل من ينتمي للعائلة الملكية.
“أنا أشبه أمي”. هكذا عبر هاري عن افتخاره باختياره، وقال “كانت أمي تتخذ معظم قراراتها، إن لم يكن جميعها، من قلبها. وأنا ابن أمي”.
واستحضر هاري ذكريات طفولته رفقة والدته حيث قال إنها كانت مليئة بالضحك والسعادة والمغامرة. وبالرغم من وجود ذكريات كثيرة تجمعه بوالدته إلا أنه يتذكر دائما ضحكتها المبهجة، ونصيحتها له بأن يضل دوما لطيفا من الداخل رغم وقوع أي شيء.
رغم عيش هاري لطفولة مليئة بالذكريات الجميلة إلا انه يتذكر دائما وجود مصوري البابارتزي والصحافة. يقول “نادرا ما تكون لدينا عطلة من دون ظهور شخص لديه كاميرا يطاردنا”. لكنه يؤكد أن النصيحة التي كانت تقدم لهم دائما هي عدم التفاعل مع ما يجري حولهم مهما كان الضغط مشتدا حولهم.
مضايقات منذ الصغر تلك التي عاشها هاري وعائلته، جعلته يشعر بعدم الارتياح منذ البداية. وذلك رغم محاولات والدته الأميرة ديانا المتتالية لمنع وسائل الإعلام في تخطي المساحة الشخصية لأبنائها. يقول هاري “لقد أخذت على عاتقها مواجهة هؤلاء الناس بشكل أساسي”، لكن للأسف بدون جدوى.
مأساة الأميرة ديانا تلقي بظلالها على حياة الأمير
بتأثر كبير وصف هاري مأساة الأميرة ديانا خصوصا عند انفصالها عن الأمير تشارلز. ويقول إنها تعرضت لمضايقات عدة من طرف الصحافة. كما أنه منذ اللحظة الأولى التي غادرت فيها الأميرة المؤسسة، أصبحت تماما بمفردها. وإن كانت ديانا من أهم النساء نفوذا في العالم، إلا أنها تعرضت للظلم، الألم، المعاناة … وغيرها من الأشياء الصعبة التي تمر بها كل النساء اللاتي تتزوجن بشخص من المؤسسة.
وهو الشيء الذي جعل هاري يتساءل دائما حول مستقبل حياته الشخصية والعاطفية. ويقول “كنت دائما أفكر، كيف يمكنني العثور على شخص مستعد وقادر على تحمل كل هذه المصاعب”.
يربط هاري الشبه الكبير بين أمه وميغان. إذ يتشابهان في الخصال والطبيعة، ويقول إن زوجته لديها نفس حنان وعطف وثقة والدته.
ورغم عدم تقبل العديد من الأشخاص لما يفعله، إلا أنه مقتنع بقراراته. وفعل كل ما في وسعه لحماية عائلته الصغيرة، خاصة بعد ما حصل لوالدته. وبتأثر شديد يقول “لم أرغب في أن يعيد التاريخ نفسه”.
تفاصيل مؤثرة يسردها هاري حول جنازة والدته المهيبة، التي يقول أنه وأخوه كانا يؤديان دورين مختلفين: دور الأبناء الحزينين على فراق والدتهما، وهم في حاجة ماسة للبكاء، والدور الملكي الثاني الذي يحتم عليهما عدم إظهار أي عاطفة والخروج لإلقاء التحية على الناس. لكن هناك شيء واحد إيجابي في الدور الثاني هو تضامن الناس إذ قال “كأبناء ديانا سحرتنا المملكة المتحدة حرفيا آنذاك”.
بعد رحيل ديانا تعرض هاري لنفس المضايقات التي كانت تواجهها خاصة عندما توجه لمدرسة “آيتون”، حيث بدأ اسمه يسطع على أولى صفحات الجرائد البريطانية. أخبار زائفة وإشاعات بتعاطيه المخدرات، لكنه يقول إن تلك الأخبار لم تكن كلها كاذبة، لكن كانت تعمها الكثير من المبالغة.
وهي المضايقات التي دفعته ليدخل في صراع دائم مع الصحفيين الذين كانوا في يطاردونه أينما ذهب. وبعد مرور ساعات على شجار ما، كان يتصدر عناوين الصحف الصفراء. “هاري ينتقد وهو يصرخ، لماذا لا تتركوني وشأني”.
رحلة هاري إلى إفريقيا مصدر إلهام وتوطيد علاقته الجديدة
الشيء الوحيد الذي ساعد هاري على تجاوز هذه المصاعب هو السفر. في 2004 التجأ إلى” ليسوتو”مباشرة ليبتعد عن كل ذلك الضغط الحاد الذي كان يعيشه في المملكة.
بمجرد وصوله إلى إفريقيا تعرف على الأمير “سيسو” الذي وصفه بالشخص المذهل. كذلك تعرف على ساكنة المنطقة. إذ أحدث ردا فعليا إيجابيا إزاءهم وأميرهم، باتسامه بالبساطة والحب والقبول. وهذا ناتج عن تأثره إلهامه الكبيرين بوالدته التي جعلت منه نسخة طبق الأصل منها.
نقاط مشتركة يتشارك فيها الأميران هاري وسيسو، كفقدانهما لوالدتهما. حيث فقد سيسو والدته قبل فترة قصيرة من لقائه بهاري، والتي كانت على علاقة وطيدة بالأميرة الراحلة ديانا. حيث شاركتا في حملات صحية لمحاربة الإيدز وكذلك في مساعدة الأطفال اليتامى نتيجة المرض نفسه.
أثرت هذه الرحلة بشكل كبير على هاري، إذ بمجرد تعرفه على ميغان أحس بالرغبة الشديدة لزيارة إفريقيا رفقتها وأن يقوما بهذه المغامرة معا.
وافقت ميغان على الفور على اقتراح هاري واتجها نحو بوتسوانا في غشت سنة 2016. كانت هذه الخطوة بمثابة مرحلة ضرورية بالنسبة للثنائي ليتعارفا عن قرب أكثر ويمضيا مزيدا من الوقت معا قبل معرفة العالم ووسائل الإعلام بعلاقتهما.
وبمجرد ذكر خبر ارتباطهما، وصف هاري تلك الفترة بلحظات السير نحو المجهول حيث لم يكن يعرف وجهتهما التالية. ويقول ” في أكتوبر، انتهى كل شيء”.
تحديات أخرى ومصاعب متعددة تنتظر الثنائي، والأسئلة مطروحة هنا. كيف كانت ردة فعل العائلة الملكية على هذه العلاقة؟ وكيف سيتقبل الشعب البريطاني وجود شخص دخيل على العائلة الملكية وعلى بريطانيا بأكملها؟ كيف سيصمد هاري وميغان أمام كل هذه التحديات؟ كل هذه التساؤلات أجبنا عنها في الجزء الثاني من تغطيتنا لوثائقي ميغان وهاري.