يعاني ما يقارب من 50 مليون شخص حول العالم من اضطراب الصرع، منهم من يتصلب جسمهم فجأة، وآخرون يفقدون الوعي باهتزاز. فكيف يحدث ذلك؟ وما هو التعريف الطبي لهذا الاضطراب؟ وما هي أعراضه وأسبابه؟ وأهم سبل علاجه؟
اضطراب الصرع … بين العلم والخرافة
الصرع (Epilepsy) هو اضطراب في الجهاز العصبي المركزي يؤثر سلبا على وظيفة الدماغ ويعاني منه أشخاص من مختلف الأعمار والأجناس، كما يصيب حوالي خمسين مليون شخصا عبر العالم، حسب تقرير نشرته مؤخرا منظمة الصحة العالمية.
هو مرض تُربط نوباته في المجتمعات العربية بكل ما هو خرافي، منهم من يقول إنك تعاني من مسٍ جني. في حين يربط آخرون أعراضه بأعمال السحر والشعوذة. لكن التعريف الطبي بعيد كل البعد عن هذه التكهنات.
ويتصدر الصرع الرتبة الرابعة لأكثر الأمراض العصبية انتشارا عبر العالم. وذلك إلى جانب كل من الزهايمر والسكتة الدماغية، حسب مقال منظمة الصرع العالمية. وما يجعله من بين الأكثر خطورة أنه يأتي على شكل نوبات متكررة من الحركات اللاإرادية. وهي عبارة عن نشاط كهربائي مندفع في الدماغ يؤثر سلبا على طريقة عمله. وتشمل هذه النوبات نوعين:
- نوبات جزئية: وهي التي تؤثر على جزء واحد من الجسم.
- نوبات عامة: والتي تؤثر على الجسم بأكمله.
أعراض الصرع الشائعة
بمجرد إصابتك بالصرع، تبدأ نوباته بالتأثير على سلوكك وتصرفك بشكل غير طبيعي. لكن الأعراض تختلف وتتغير وتتوقف على مدى انتشار الاضطراب في الدماغ.
هناك أعراض شائعة ومؤقتة يتشارك فيها معظم الأشخاص. وتتمثل في:
- فقدان الوعي والإدراك.
- اضطرابات حركية حسية (السمع – التذوق).
- تغير مفاجئ للحالة المزاجية.
- التحديق في الفراغ.
- تيبس الجسد والعضلات.
- أعراض نفسية مثل الخوف، التوتر، ووهم سبق الرؤية – Déjà vu.
أعراض الصرع حسب أنواع النوبات
وتنقسم أعراض الصرع أيضا حسب نوع النوبات المذكورة أعلاه. وحسب مايو كلينيك، فإن نوبات الصرع الجزئية تنقسم لنوعين: نوبات صرع جزئية (بؤرية) دون فقدان الوعي ونوبات صرع جزئية (بؤرية) مع فقدان الوعي. وتشمل الأولى الأعراض التالية:
- تغير في المشاعر.
- تغير شكل الأشياء كالرائحة، أو الملمس، أو الصوت، أو الطعم.
- تشنجات لا إرادية في جزء من أجزاء الجسم (الذراع -الساق).
- أعراض حسية خارجة عن السيطرة (الوخز – الدوار).
- وهم سبق الرؤية.
أما النوع الثاني، فيشمل ما يلي من الأعراض:
- حدوث تغيير في الإدراك والوعي أو فقدانهما.
- الشعور وكأنك في حلم.
- التحديق في الفراغ.
- عدم الاستجابة بشكل طبيعي لما يحدث حولك.
- حركات لا إرادية (فرك اليدين – المضغ – البلع – المشي في دوائر).
- عدم القدرة على الكلام أثناء النوبة.
- نسيان كل ما حصل أثناء النوبة.
أما نوبات الصرع العامة فهي تلك التي تؤثر على شبكة واسعة من خلايا الدماغ بنفس الوقت. وتنقسم لستة أنواع:
النوبات الصرعية المصحوبة بالغيبة – Absences seizures
يتسبب هذا النوع من النوبات في التحديق الطويل في الفراغ أو كما يسمونه الأطباء التحديق في الفضاء. مع حركة ضئيلة من الجسم كرفرفة العينين أو لعق الشفتين أو حركات رعشة طفيفة للأطراف أو للجسم. وعادة ما تستمر ل 15 ثانية فقط، إذ بمجرد أن يستيقظ الشخص لن يستطيع تذكر ما جرى.
كما من المعروف أن هذا النوع من النوبات يصيب في الغالب الأطفال الصغار. لكن تبقى احتمالية الإصابة بها في أي عمر قائمة.
نوبات الصرع التوترية – Tonic seizures
تؤثر هذه النوبة بشكل مباشر على العضلات. إذ تحدث تيبسا فيها، مع أمكانية فقدانك للوعي ومن المعروف أنها تؤثر على عضلات الساقين، الظهر… وفي بعض الأحيان قد تصيب عضلات الجسم بأكملها. وتبلغ مدتها أقل من 20 ثانية.
نوبات الصرع الارتخائية – Atonic seizures
وهي التي يحصل فيها فقدان الوعي المفاجئ لتوتر العضلات، وفي الغالب ما تصيب الساقين. إذ تتعطل وظيفتهم الأساسية، وبالتالي يسقط الشخص المصاب مباشرة. بعد النوبة الارتخائية التي تدوم أقل من 15 ثانية، تحدث فترة وجيزة من الارتباك والتشوش.
نوبات الصرع الارتجاجية – Clonic seizures
تحدث فيها سلسلة من التشنجات النظامية والمتكررة في عضلة واحدة أو عدة عضلات. إذ يتصلب الجسم في البداية ثم يسترخي بشكل تدريجي. بمجرد حدوث النوبة التي تستمر من 8 ثوان إلى دقيقتين، لا يمكن إيقافها بتقييد اليدين أو الساقين. وبعدها مباشرة يجب على الشخص المصاب أن يستريح قليلا قبل العودة إلى نشاطه.
نوبات الصرع التوترية الارتجاجية المعممة – Generalized tonic-clonic seizures
تعرف أيضا بنوبة الصرع الكبير، وهي من أكثر النوبات شيوعاً وأصعبها عند مرضى الصرع. وتجمع بين المرحلة التوترية والمرحلة الارتجاجية.
نوبات الصرع الارتجاجية – Myoclonic seizures
تتضمن رعشة أو سلسلة من الارتعاشات السريعة والمستمرة وقصيرة الأمد في نفس الوقت. تأتي بشكل مفاجئ للجسم بأكمله أو فقط جزء منه كالوجه، الصدر، الذراعين أو الساقين، ويكون الشخص فيها واعيا لما يحدث حوله.
أسباب الصرع المعروفة
حسب عدة مصادر علمية، لم يتوصل الخبراء حتى الآن لسبب المرض الرئيسي ل 50 % من الأشخاص المصابين حول العالم. لكن الأسباب المعروفة حتى الآن تشمل ما يلي:
- التأثير الوراثي: تؤثر الجينات على عمل العقل، إذ حوالي 1 من بين 3 أشخاص مصابين باضطراب الصرع لديهم فرد من العائلة مصاب به.
- تلف في الدماغ: في أحيان أخرى يمكن أن يكون السبب وراء إصابة الشخص باضطراب الصرع راجع لتلف في وظيفة الدماغ. ويكون التلف ناتجا عن: السكتات الدماغية التي تحد من تدفق الأكسجين إلى الدماغ، أو نزيف في الدماغ، أو الأورام الخبيثة في المخ، إضافة إلى إصابة شديدة الخطورة في الرأس، نقص الأكسجين في الولادة، التهاب أو عدوى في الدماغ كالتهاب السحايا أو تعاطي المخدرات والكحول بشكل كبير…
- العيوب الخلقية أو الاعتلالات الوراثية المصحوبة بتشوهات الدماغ.
العوامل التي تزيد من نسبة الإصابة باضطراب الصرع
تشمل العوامل التي قد ترفع من نسبة إصابة الشخص بالصرع ما يلي:
- الولادة المبكرة أو نقص الوزن عند الولادة.
- نوبات متتالية في الشهر الأول للرضيع.
- الشلل الدماغي.
- الإعاقة العقلية.
- مرض الزهايمر.
- نوبات طويلة مرتبطة بالحمى.
تشخيص الإصابة باضطراب الصرع
ينصح الأطباء باللجوء إلى أقرب طبيب مختص بمجرد تعرضك للنوبة الأولى في حياتك. إذ سيتمكن من تشخيص صرعك بناء على العلامات والأعراض الجسدية. كما يتم عمل اختبارات كالفحص العصبي الذي سيختبر به الطبيب سلوكك ووظائفك العقلية، وقدراتك الحركية.
اختبارات الدم أيضا من الفحوصات التي يتحقق الطبيب من خلالها من عدم وجود علامات للإصابة بعدوى أو أمراض وراثية.
هناك اختبارات أخرى يلجأ إليها الطبيب المختص، والتي تأتي كالتالي:
- مخطط كهربية الدماغ: وهو أول اختبار يعتمد عليه الأطباء. حيث يستخدمونه من أجل تحديد مدة تأثير الصرع على الدماغ، هل يأتي فقط من جزء صغير فيه (نوبات جزئية) أو من الدماغ بأكمله (نوبات عامة).
- التصوير بالرنين المغناطيسي: يمكن هذا التصوير من معرفة الخلل الذي يمكن أن يتسبب به الصرع في الدماغ. إذ يتم إخضاع هذا الأخير لموجات مغناطيسية قوية ولاسلكية من أجل إنشاء عرض مفصل له. وفي الغالب ما يتم الكشف عن تشوهات دقيقة في الدماغ.
- التصوير المقطعي بالانبعاثات البوزيترونية: يعمل هذا التصوير على البحث في النشاط الأيضي للدماغ. إذ يمكن الأطباء من تحديد كيفية عمله وما إذا كان يعمل بشكل طبيعي أو غير طبيعي. يتم حقن كمية قليلة من المادة المشعة داخل الوريد من أجل الكشف عن المناطق التي يكون فيها الأيض منخفض والتي تشير إلى المكان المحدد التي تحدث فيه النوبات.
- التصوير المقطعي المحوسب أحادي الفوتون: بمجرد دخول الشخص في نوبة تتدفق في منطقة دماغه كميات وفيرة من الدم، وبالتحديد في المكان الذي تحدث فيه النوبة. وبالتالي يلجأ الأطباء إلى هذا النوع من التصوير من أجل تحديد المكان الذي تبدأ فيه النوبة.
إلى جانب هذه الخطوات، يستعين الأطباء أيضا بالتقييم النفسي العصبي من أجل تقييم الوظائف الإدراكية وخاصة وظيفة اللغة والذاكرة ولتحديد أي جانب من الدماغ مسؤول عنهما. كما يكشف أيضا عما إذا كان يحدث انخفاض في وظيفة الذاكرة في المنطقة الخاصة بالصرع.
وسائل العلاج المتاحة
أكدت منظمة الصحة العالمية أن علاجات الصرع المتوفرة يمكن أن تسيطر على النوبات. ويمكن للمصاب أن يتخلص منها بنسبة 70 %.
استعمال الأدوية الطريق الأول للعلاج
خلال عملية العلاج، نجد أن الأدوية هي أول وسائل العلاج التي يتم تجريبها. إذ هناك العديد من الأدوية المختلفة التي تتمكن من إيقاف النوبات أو منعها. وهذا يختلف من شخص إلى آخر. إذ يستطيع بعض المصابين من التعافي بمجرد تناول دواء واحد فقط. فيما يتحتم عل آخرين أخذ مجموعة من الأدوية من أجل إيقاف النوبات أو الحد منها.
يأخذ الأطباء عدة نقط بعين الاعتبار أثناء اختيارهم للدواء والجرعة المناسبة لكل مصاب. كالعمر، والحالة النفسية، وإلى أي مدى تتكرر هذه النوبات ونوعها واعتبارات أخرى… وبمجرد عثور طبيبك على الدواء المناسب سيصف لك في الأيام الأولى جرعات منخفضة نسبيا. وقد يزيدها تدريجيا للتمكن من السيطرة على نوبات الصرع بشكل جيد.
تتسبب أدوية الصرع هي الأخرى في ظهور أعراض جانبية على المريض، بين أعراض خفيفة على غرار الإرهاق والدوار وزيادة الوزن ومشاكل في النطق … وأخرى أكثر حدة لكنها نادرة الحصول كالاكتئاب، طفح جلدي شديد والتهاب بعض الأعضاء كالكبد.
العلاج عن طريق الجراحة … عندما يفشل الدواء في الحد من الصرع
تعتبر الجراحة أحد علاجات الصرع المتاحة، والتي في الغالب ما يلجأ لها المصابون الذين لم يستجيبوا بشكل جيد للعلاج بالأدوية. وتشمل طرق الجراحة ما يلي:
- استئصال الآفة: يطلق على تشوهات الدماغ التي تظهر في التصوير بمصطلح عام وهو “الآفة” والتي تتمثل في الأورام والتشوهات الكهفية وهو تشوه في الأوعية الدموية. والتي تكون مسؤولة عن حدوث النوبات.
- استئصال الفص: الذي يتم عن طريق استئصال فص من الدماغ الذي تحدث فيه النوبات. وغالبا ما يكون الفص الصدغي، إذ هو النوع الأكثر شيوعا في جراحة الصرع.
وهناك المزيد من الجراحات التي يلجأ لها الأطباء والتي نذكر منها:
- الجراحات الإشعاعية التجسيمية (التدمير المستهدف لأنسجة المخ غير الطبيعية)
- زرع أجهزة التعديل العصبي (التي ترسل نبضات كهربائية إلى العقل لتقليل النوبات بمرور الوقت).
وجذير بالذكر أن هذا المرض غير معد ولا يمكن الشفاء منه بشكل نهائي. لكن، يمكن الحد من نوباته والسيطرة عليها بنسبة 70 %. لكن الوقاية تبقى أمرا مهما لحماية نفسك من هذا الاضطراب والتي تتمثل في وقاية الرأس من الإصابات، أخذ الرعاية الكافية في فترة الولادة وما بعدها …