عرف تاريخ المغرب الحديث أحد أقسى وأحلك السنوات التي ظلت راسخة في ذاكرة أجدادنا. فمن منا لم يسمع بعام “البون” أو عام المجاعة الذي امتد على مدار سنتي 1944 و1945.
تاريخ الأزمات في التاريخ الحديث للمغرب
قبل التطرق إلى عام البون، تعود بنا مجريات الأحداث إلى سنة 1766. حين كان السلطان سيدي محمد بن عبد الله يقوم بتصدير القمح إلى كل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال عن طريق السفن. بعد ذلك، حل الجفاف بالبلاد وغزا الجراد الأراضي المغربية، الأمر الذي أدى إلى مجاعة تعد الأبرز إلى حين.
أما سنة 1798 فظلت أيضا مرتبطة بالتاريخ الأسود لبلدنا. إذ أصيب المغاربة بمرض الكوليرا، وكان عدد الوفيات في اليوم يصل إلى 800 شخص. وظل المغاربة لمدة طويلة يكافحون الجوع، القمل والجراد والأوبئة.
وخلال سنة 1912، فرضت فرنسا الحماية على المغرب، وشرعت في توهيم المغاربة بأنها ستقوم بتحسين وضعيتهم الاجتماعية. إلا أن الأمر لم يكن كذلك، إذ كانت جميع المواد المنتجة بالمغرب تصدر إلى فرنسا. وعندما غزت ألمانيا فرنسا لتقسيم البلاد إلى نصفين منفصلين سنة 1940، كان النصف الأول المعروف باسم “Nord-Ost”، أي الشمال الشرقي، تحت سيطرة ألمانيا. والنصف الآخر، “فيشي فرنسا”، تحكمه حكومة أنشأتها ألمانيا تحت اسم ” الرايخ الثالث”.
وبعد أن هزمت فرنسا في الحرب العالمية الثانية سنة 1940، وبما أن المغرب كان جبهة خلفية للحرب، عمدت فرنسا إلى استنزاف ثروات المملكة لتوريد مجهوداته الحربية، وكانت النتيجة عند المغاربة هي المجاعة.
فرض فرنسا نظام البون على المغاربة لمواجهة المجاعة
خلال أربع سنوات، قلت التساقطات المطرية بالمغرب، مما أدى إلى قلة المواد الغذائية مثل القمح والبيض والسكر والدقيق والشاي …
وفي سنة 1944، فرضت فرنسا على المغاربة نظاما صارما من أجل مواجهة هذا الوضع. حيث تم توزيع ما يسمى ب “البون” على الساكنة. وهي ورقة السماح لشراء المواد الغذائية. ولهذا سمي هذا العام ب “عام البون”.
وبطبيعة الحال، كان لا يحق للمغربي شراء نفس عدد المنتوجات التي يحق للفرنسي شراؤها. حيث يمكن لهذا الأخير شراء 14 منتوجا عن طريق “البون”، في حين يمكن للمغربي شراء فقط خمسة مواد.
وعرف المغرب في تلك الفترة مجاعة حقيقية، وسمي ذلك العام بعدة أسماء مثل: عام القحط، عام بوهيوف، عام بونتاف أو عام الصندوق. وسمي بهذا الأخير لأن النساء المغربيات كن يخفين الخبز داخل صناديق خوفا من السرقة. وذلك قبل أن تقل الوجبات من حضور اللحم والخضار والخبز فوق المائدة، إلى صعوبة الحصول على بعض اللقيمات.
وطالت مجاعة قاسية شريحة واسعة من المغاربة، الذين اضطروا في الأخير إلى بيع أراضيهم القاحلة والجافة بأبخس الأثمان مقابل الخبز. وأصبح الإقبال على النباتات والحشائش لإطعام أنفسهم متداولا، كما قاموا باصطياد الجراد وأكله كملاذ أخير عندما كانوا يتضورون جوعا. كما وصل بهم الفقر إلى درجة حفر القبور من أجل صنع ملابس من الأكفان.
أرقام مخيفة بسبب عام البون
وبسبب الفقر والمجاعة وقلة النظافة، أصيب العديد من المغاربة بأمراض فتاكة. إذ أصيب أزيد من 8700 شخص بمرض التيفوس الوبائي، وابتلي أكثر من 26 ألف شخص بالحمى الصفراء، وغيرها من الأمراض كمرض السل وداء الحصبة والزهري.
وتتضارب الأقوال حول عدد ضحايا عام البون، إذ يقال أن هذه الأحداث خلفت حوالي 300 ألف قتيل، فيما صرحت السلطات الاستعمارية الفرنسية ب 45 ألف قتيل فقط.
التدابير التي اتخذها الاستعمار الفرنسي للحد من المجاعة
بعد تفاقم الأوضاع، اضطرت السلطات الاستعمارية إلى إيجاد حلول وتدابير للحد من مخاطر المجاعة من خلال حلين رئيسين. الأول هو تحرير سوق اللحم، إذ قامت فرنسا بتخفيض أسعار اللحم، وسمحت للفلاحين ببيع وذبح الماشية الخاصة بهم.
أما الحل الثاني فكان استيراد القمح من أمريكا رغم أن توزيعه كان يتم بشكل غير عادل على المدن والقرى والعوائل المغربية. إذ على سبيل المثال، كان يحق لكل فرد أن يحصل على 6 إلى 9 كيلوغرامات في الشهر الواحد، ويمكن تقليل الكمية إذا كان اللحم متوافرا بكثرة.