حينما نرغب في شراء باقة ورود تتجه اختياراتنا نحو الألوان الأكثر إشراقا مثل الأحمر، أو الوردي، أو الورد الأصفر…
ووسط هذا التنوع الهائل في ألوان الورود، يبقى اللون الأسود آخر ما يخطر على البال. السبب ببساطة راجع إلى أن هذا النوع من الزهور نادر جدا. ولا يثمر في أي مكان في العالم، إلا في قرية صغيرة تدعى هالفيتي. الواقعة بالجنوب الشرقي لتركيا، والمعروفة بـ “المدينة المفقودة” أو “الجنة المخفية”.
بسبب ملمسه المخملي وفصيلته النادرة ولونه المميز ورائحته التي لا تقاوم، أضحى الورد الأسود رمزا للمنطقة ناهيك عن استخداماته المتعددة. إذ زيادة على بيعه على شكل باقات، تستخدم الورود السوداء في صناعة العطور والصابون بسبب رائحتها الساحرة. إضافة إلى استخلاص الكريمات الخاصة بالتجميل والعناية بالبشرة، ناهيك عن المربى والشكولاتة وحلوى الحلقوم التركية.
هالفيتي منبت الورد الأسود
تعتبر مدينة هالفيتي، أو المدينة المفقودة كما يطلق عليها الأتراك. مدينة تاريخية تجمع بين العربية والكردية، والتركية، والشركسية، والفارسية. في حين تعد اللغة العربية لغة سكانها الأصليين. تقع في مقاطعة شانلي.
إلى ذلك أيضا، تعد منطقة شانلي عموما من الوجهات السياحية، التي توجهت لها الأنظار في السنوات الأخيرة. خاصة بعد أن صنفت ضمن المدن العالمية الهادئة. لاشتهارها بأماكن سياحية ومعالم وآثار تاريخية لازالت صامدة منذ عصور إلى يومنا هذا. أبرزها بحيرة الأسماك والمسجد القديم الذي أشرف على تشييده صلاح الدين الأيوبي.
إلى جانب ما تزخر به المدينة من معالم تاريخية وسياحية، تشتهر هالفيتي أيضا بالورد الأسود. وبسبب لونه الخارج عن المألوف، لم يكن سكان مدينة هالفيتي قديما مهتمين بهذا النوع من الورود. ما جعل زهرة “كاراجول” كما تسمى باللغة التركية، منبوذة ولا تحضى بشهرة عالمية انذآك.
ونظرا لشح المعلومات وقلة المصادر، يبقى تاريخ “كاراجول” غير معروف. ولا توجد معلومات كافية وواضحة تبين من أين وكيف تأتي بذور هذه الورود. هذه الأخيرة تظهر وكأنها سوداء قاتمة، لكنها في الواقع قرمزية قاتمة اللون.
ومع توالي السنين بدأت هذه الورود، تأخذ حقها من الشهرة، وتجذب الانتباه إليها. خاصة أنها ذات رائحة قوية، تأسر قلوب المارين أمامها، وتدهش وتترك أولئك الذين يرونها في حيرة من أمرهم.
ظروف نمو لؤلؤة هالفيتي السوداء
حينما نتحدث عن فصيلة نادرة من الورود، فإننا نتحدث بالدرجة الأولى عن نوع من أنواع الورود الحساسة، التي تحتاج لمعايير معينة، وبيئة مناسبة من أجل نموها. فالورد الأسود يحتاج إلى التربة المناسبة ومستويات حموضة مرتفعة في المياه الجوفية، وهي تماما البيئة الموجودة في هالفيتي.
علاوة على ذلك، فمن أجل نمو الورود السوداء بشكل جيد، فإنها تحتاج لدرجة حرارة معتدلة نوعا ما. كما يجب أن يكون المكان الذي ستزرع فيه البذور، هو المكان نفسه الذي ستنمو فيه. لأنه إذا تم انتزاع شتلة الزهرة من مكانها، فلن تنمو بالطريقة المطلوبة وستفقد لونها.
إضافة إلى ذلك، فنمو الورد الأسود يحتاج لتعقيم منتظم، والسقي بكميات كبيرة. وبعد أن يتم رعاية كاراجول وسقيها والاهتمام بها، تجهز فروعها بفتحها في الربيع والخريف. ورغم المحاولات العديدة لزراعة هذا النوع من الورود النادرة في دول العالم. إلا أن لونها لا يكون أسود قاتم، كما هو الحال بالنسبة لكاراجول لؤلؤة هالفيتي السوداء. ذلك لأن لونها يكون بنفسجياً غامقاً أو أحمرا مائلاً إلى السواد تماما مثل الورود السوداء في فرنسا.
قصص وأساطير عن الورد الأسود
في قواميس النباتات، تختلف معاني الأزهار السوداء. لكن غالبا ما تمثل الأزهار السوداء مشاعر التشاؤم والموت والأخبار السيئة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الورود السوداء ترمز للحب المأساوي وبدء الحياة بآمال جديدة، نظرا لأنها وردة حساسة ونادرة للغاية.
ارتبط الورد الأسود وفقا لمصادر تركية، بعدة روايات وأساطير. حيث قيل إنه كان رمزاً لحب فتاة وشاب، لذلك فقد أصبحت رمزاً للعشق والحب والأمل، عكس ما يوحي إليه اللون الأسود عادة.
وفي رواية أخرى لبعض شيوخ المدينة، تقول إن كاراجول تقدم كرمز للحب العاطفي من طرف أحد العاشقين. فإذا قام أحدهما بخيانة شريكه، أو انفصل عنه، فإنه يفقد مشاعره. تماما كما هو الحال عندما يتم نقل الوردة السوداء إلى تربة أخرى غير التي نمت فيها، فتفقد لونها الأسود.
وإن للوردة السوداء قصة أخرى غير تلك المذكورة آنفا. إذ يقال إنه في الأزمنة الماضية كانت الوردة السوداء تعرف باسم “زهرة الشيطان”، ولم يكن منها إلا زهرة واحدة، ولا يسمح لأحد بلمسها. بعد ذلك ظهرت فتاة قادمة من المدينة، أعجبت بها لجمال لونها وطيبة ريحتها، وقامت بقطفها، ولم يقع للفتاة أي مكروه، ما جعل سكان المنطقة يطلقون عليها لقب الساحرة.
ومن أجل التخلص من الفتاة الملعونة على حد اعتقادهم، قرر سكان منطقة هالفيتي قتل الفتاة. ومن أجل ترك علامة على أرض وفاة الفتاة، جعل الشيطان تلك التربة تزهر ورودا سوداء فقط.