بعد أن انتشرت موضة الكرينولين وهي تنانير عريضة الأطواق ظهرت خلال خمسينيات القرن التاسع عشر، أقبلت جل نساء العصر الفيكتوري بإنجلترا على اقتنائها وارتدائها. لكن هذه التنانير التي كانت مصنوعة من قماش قطني كانت قابلة للاشتعال بشدة. الشيء الذي أدى إلى حوادث كارثية ومروعة. حيث كثيرا ما لقيت النسوة حتفهن بسبب اشتعال النيران في تنانيرهن عند الاقتراب من اللهب المكشوف داخل منازلهن.
عجلت هذه الحوادث المريعة باختفاء هذه الموضة القاتلة. وذلك بعد أن تسببت في مقتل نحو ثلاث آلاف امرأة حرقا وهن أحياء، فقط بسبب الركض وراء موضة لم تأخذ نمط عيش مستهلكيها في الاعتبار. فما قصة موضة الكرينولين يا ترى؟
ما هي موضة الكرينولين؟
في منتصف القرن التاسع عشر، بدأت النساء الفيكتوريات في ارتداء تنانير عريضة ذات أطواق تسمى الكرينولين. وتعرف أيضا باسم الإعظامة. وكما ذكرت جمعية ماساتشوستس التاريخية، أحببت النساء الكرينولين لأن هذه التنانير ألغت الحاجة إلى الملابس الداخلية الضيقة، وكانت تسمح بالتحرك بحرية أكبر. وأفادت جمعية تراث الأزياء الأوروبية أن تنانير الكرينولين كانت تمتد أقمشتها القطنية في بعض الأحيان إلى مسافة 18 قدمًا. كما كانت هذه الأخيرة موضع ومحط سخرية من قبل الرجال، وهو ما يظهر في الرسوم الكاريكاتورية التي تعود إلى حقبة العصر الفيكتوري، والتي كانت تتهكم بشكل يومي على هذه الفساتين الواسعة والغريبة.
كيف تسببت موضة الكرينولين في مقتل آلاف النساء؟
كانت فساتين الكرينولين تصنع من قماش قابل للاشتعال. وتحتوي على فراغات تسمح بتجمع كميات كبيرة من الهواء الذي أتاح إمكانية تأجج النيران. كما كانت واسعة جدًا لدرجة أن النساء غالبًا ما كن يلمسن عن غير قصد ألسنة اللهب المنبعثة من الشموع أو المواقد داخل المنازل. مما أدى إلى مصرع عشرات من النساء الفيكتوريات اللواتي احترقن، من بين أشهرهن فاني لونجفيلو، زوجة الشاعر هنري وادزورث لونجفيلو، التي توفيت في يوليوز 1861 في كامبريدج ماساتشوستس. ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، كانت فاني تصنع بعض الألعاب للترفيه عن طفليها الصغيرين، عندما تسببت قطعة من الورق المشتعل في احتراق أطراف فستانها، لينتهي بها المطاف ميتة بطريقة مأساوية بعد تصاعد ألسنة اللهب.
ليست فاني الوحيدة التي راحت ضحية هذه الموضة القاتلة. بل يحكى أيضا أن إحدى راقصات الباليه اشتعلت فيها النيران بعد الرقص بالقرب من أضواء المسرح، كما ورد في Mental Floss. حادثة مشهورة أخرى تتعلق بوفاة الأرشيدوقة ماتيلد من النمسا في عام 1867، بسبب محاولة إخفاء سيجارة خلف ظهرها وهي ترتدي القماش القطني. لتلقى نفس مصير سابقاتها في منظر مفجع.
نهاية لعنة الكرينولين
صحيح أن موضة الكرينولين كانت مميتة، لكنها لحسن الحظ لم تدم طويلاً. إذ ذكرت جمعية ماساتشوستس التاريخية أن الانتقادات الموجهة إلى هذه الموضة الشيطانية تصاعدت بعد الحرب الأهلية. حيث اتخذ الوزراء موقفًا صارما ضد هذه الملابس القابلة للاشتعال. ووفقًا لـ Racked، تم استبدال تنانير الكرينولين ذات الأطواق العريضة بـ ما يسمى “bustles” خلال سبعينيات القرن التاسع عشر. والتي كانت ممتلئة من الخلف ورقيقة من الأمام. وآمنة بكل تأكيد.
في الوقت نفسه، بدأ مصممو الملابس في تطوير ملابس بأقمشة غير قابلة للاشتعال. حيث تم انتقاء نسيج يسمى “Flannelette”، والذي استعمل على مدى أربعين عامًا، إلى غاية إعلان الولايات المتحدة الرجوع إلى استعمال الأقمشة القابلة للاشتعال من جديد.
انتهت لعنة الكرينولين. لكن ما خلفته من قصص مأساوية تحكى وضع نقطة سوداء ضخمة في التاريخ الفيكتوري لإنجلترا. وأضحت تلقب بالموضة القاتلة والفتاكة، بعد أن تسببت في مقتل آلاف النسوة اللواتي أحببن الموضة وارتدينه وطاردن شبح الجمال والزينة والتفاخر.