يسود الاعتقاد أنّ صورة كل دولة تعكس واقعها، فإذا كانت دولة غنية فلا بد أن يظهر ذلك على مناطقها ومحلاتها وشعوبها. فننظر إلى دبي الإماراتية ونرى الأبنية الحديثة المتطاولة، النشاطات الترفيهية، السيارات الفخمة والبيوت والناس بكامل رفاهيتهم.
لكن، ليست كل دولة تعكس واقعها على مواطنيها أو أرضها، وهذا ما يحصل في نيجيريا إحدى أغنى الدول اقتصاديا في إفريقيا، والتي تعرف بالعملاق الإفريقي.
نيجيريا … الاقتصاد الأضخم في أفريقيا
نيجيريا، أغنى دولة في أفريقيا، ذات أكبر اقتصاد وأغنى موارد بأفقر شعب. بلغ ناتجها المحلي الإجمالي عام 2022، 477.39 مليار دولار. ومع ذلك، يعيش 112 مليون إنسان تحت سقف الفقر، ويعني ذلك بلغة الأرقام، أنهم يعيشون بأقل من 1.9 دولار أمريكي في اليوم. وهناك 5 ملايين نيجيري يتضورون جوعاً، بينما يمكن لـ 5 رجال فقط ممن يملكون الثروات القضاء على الفقر.
إلى جانب ذلك، فمعايير السلامة في نيجيريا معدومة، فحسب مغترب مقيم في العاصمة لاغوس: “عموماً، البلد ليس آمناً بتاتاً، سواء في الطرقات أو المنازل. نبقى حذرين من أي سرقة أو هجوم قد نتعرض له. إذا أردنا أن نستثني بعض المناطق، فهناك منطقة Banana Island التي قد تكون آمنة أكثر من غيرها لأنّها مطوّقة بالحراس ويحتاج سكانها لكلمة مرور سرية للعبور، ولا يمكن دخول أي غريب”.
بين الموارد المتوفرة والقطاعات المتضررة
اعتمد صندوق النقد الدولي في تصنيفه لنيجيريا كأغنى دولة أفريقية وجود موارد خام من المواد البترولية. فنيجيريا تتوفر بشكل واسع على الغاز الطبيعي، النفط، اليورانيوم، الفحم، الذهب والفوسفات. وحسب الدراسات، من المتوقع أن تصبح نيجيريا واحدة من أكبر 20 اقتصاداً في العالم بحلول عام 2050.
وفقاً لصحيفة فوربس، إنّ أغنى رجل في نيجيريا هو رجل الأعمال “أليكو دانغوتي”، وتصل ثروته لـ 13.5 مليار دولار. وحسب الإحصاءات، لو أنفق دانغوتي مليون دولار يومياً، يحتاج إلى 42 عاماً لاستنزاف ثروته، ولو قدّم ربع أرباع ثروته، من الممكن أن ينتشل مجموع النيجيريين من تحت عتبة الفقر.
وحسب مركز تشاتام هاوس، إنّ الصحة والتعليم أكثر القطاعات تضرراً من الفساد الحاصل في نيجيريا، فـ130 مليون شخصاً يفتقرون إلى خدمات صحية، و57 مليوناً يفتقرون لمياه صالحة للشرب و10 ملايين طفل هم خارج المدرسة.
توالي الصدمات يعمق فجوة الفقر في نيجيريا
تتمثل أسباب الفقر في نيجيريا في الفساد أولاً ثم ضعف فرص العمل وضعف نظام التعليم والزيادة السكانية وانعدام الأمن …
كما زادت الصدمات التي مرت بها نيجيريا الطين بلّة، أبرزها الحرب الأهلية التي اندلعت منذ عام 1967 حتى 1970، بين الحكومة الفيدرالية والإقليم الشرقي. والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من مليون شخص وتشريد الملايين. ثم الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد بين عامي 1966 و1999 والتي أدت إلى تغييرات متكررة في الحكومة والدستور والسياسات، كما أثارت هذه الانقلابات التوترات العرقية والدينية والإقليمية.
كما كان للإرهاب الذي جسدته جماعة بوكو حرام المتطرفة دوراً في التأثير على البلاد. وكانت هذه الجماعة تسعى إلى إقامة دولة إسلامية في شمال نيجيريا. وبدأت بحملة عنف في عام 2009 أدت إلى مقتل آلاف الأشخاص.
وأحد أهم الصدمات أيضاً، كان اقتصاديا محضا وتمثل في انخفاض أسعار النفط الذي يعتبر المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية والصادرات في نيجيريا. ففي عام 2014 و2015 و2020، تأثر اقتصاد نيجيريا سلباً بانخفاض أسعار النفط في السوق العالمية.
مؤشر الفساد في نيجيريا
“تحتل نيجيريا المرتبة 149 من أصل 180 في مؤشر الفساد. وخسر الشعب النيجيري أكثر من 600 مليار دولار سرقها المسؤولون الفاسدون. اللوم أيضا على الدول المتقدمة المستفيدة من غسيل هذه الأموال فيها عبر شراء المسؤولين الفاسدين السيارات والمنازل الفاخرة. تسعد الدول الأخرى في كثير من الأحيان بالربح على حساب الشعب النيجيري، من خلال غض الطرف عن تدفق الأموال إليها، رغم معرفتهم أن الأموال نشأت من مصادر مريبة، ثم يأتون ليحاضروا لنا عن الفساد”، استناداً إلى مقال كتبه رائد أعمال نيجيري يدعى “جويل بوبولا” في صحيفة “ذا غارديان نيجيريا”.
يُشار إلى أنّ 582 مليار دولار سُرقت من الخزانة النيجيرية منذ استقلال البلاد عام 1960. وراوحت التدفقات المالية غير المشروعة 400 مليار دولار بين عامي 1960 و1999، و182 مليار دولار بين عامي 2005 و2014.