رغم التساقطات المطرية الأخيرة فإن المغرب يظل يعاني من شح في الأمطار هذا الموسم، الشيء الذي يهدد القطاع الزراعي والفلاحي بشكل مباشر. مما يجعل المغرب أمام تحد كبير للتصدي لآثار التغيرات والتحديات المناخية.
التغيرات المناخية أهم الإكراهات الأساسية أمام تنمية القطاع الفلاحي بالمغرب
في السنوات الأخيرة، شهد العالم ارتفاعا هاما لدرجات الحرارة، ولم يخرج المغرب عن القاعدة. إذ عرفت البلاد أشد فترات الجفاف على الإطلاق للموسم الثالث على التوالي. وذلك ما يفسر تراجع التساقطات المطرية، التي تنضاف إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية وخاصة المواد الفلاحية.
ويشكل تغير المناخ إحدى الإكراهات الأساسية أمام تنمية القطاع الفلاحي بالمغرب. إذ من المتوقع أن تستمر حالة الجفاف بالمملكة بسبب قلة الأمطار وارتفاع درجة الحرارة والظواهر الطبيعية الحادة والمتكررة. مما سيؤثر سلبا على المشهد الفلاحي والموارد المائية وكذا التنوع البيولوجي.
هناك سبب ثان لتأثر قطاع الفلاحة بتقلبات المناخ في المغرب وهو كيفية توزيع الأراضي الفلاحية المفيدة. حيث نلاحظ أن 71% من هذه الأراضي تهيمن عليها الحبوب التي تعتمد أساسا على مياه الأمطار، إلا أن أغلبها تتواجد في مناطق جافة.
قلة التساقطات المطرية
من الملحوظ تراجع نسبة الأمطار خلال السنوات الماضية. فنسبة معدل التساقطات المطرية، إلى حدود شهر دجنبر 2022، تراجعت بنسبة 50 في المائة مقارنة مع معدل التساقطات الاعتيادي.
وفي هذا الصدد، قام المغرب بإيلاء الأهمية إلى تنويع المحاصيل الزراعية، إضافة إلى الاستثمار بشكل أكبر في المحاصيل التي تعتمد على مياه الري. إذ تتراوح الميزانية الخاصة بهذه المحاصيل ما بين 51 إلى 75 في المائة من الميزانية الفلاحية. الشيء الذي مكن من رفع نسبة حصة المحاصيل التي تعتمد على الري إلى أزيد من 20% خلال هذه السنة.
ويبقى المشكل في كون هذه المحاصيل تستنزف الكثير من المياه الجوفية بالمغرب. وهي نفسها التي تعرف تراجعا كبيرا إذ وصل العجز إلى 860 مليون متر مكعب في سنة 2021. الشيء الذي يهدد البيئة، ويتسبب في تراجع المياه السطحية.
تشييد سدود جديدة
بعد أربعة عقود من اعتماد المغرب على سياسة تشييد السدود، أصبحت المملكة غير قادرة اليوم على الاعتماد بشكل أساسي عليها. وذلك لأن الجفاف أصبح مشكلا هيكليا، وبذلك فإن بناء سدود جديدة ليس حلا لزيادة نصيب الفرد من المياه. إذ حسب تقرير البنك الدولي، فإن المغرب يقترب من الحد المطلق لندرة المياه، والتي تبلغ 500 متر مكعب للفرد الواحد سنويا. إضافة إلى ذلك، فإن الخزانات الرئيسية للسدود المغربية عرفت تراجعا بنسبة 10 في المائة مقارنة مع السنة الماضية.
هل تحلية المياه يعد حلا للأمن المائي والغذائي في المغرب؟
شرع المغرب بتنويع برامجه ومشاريعه للتصدي للحد من تزايد وضعية ندرة المياه. ومن بين هذه المشاريع: نذكر مشروع محطة تحلية البحر في مدينة أكادير، والتي ستكون أكبر محطة بالمغرب بسعة 275 ألف متر مكعب يوميا، قابلة للتوسيع إلى 450 ألف متر مكعب. إضافة إلى مشروع محطة تحلية البحر في مدينة الدار البيضاء.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المياه يمكن استعمالها للري، إضافة إلى استعمالها كمياه صالحة للشرب. وبهذا، ستمكن هذه المشاريع من رفع المياه المتجهة نحو الري في القطاع الفلاحي.
رغم أن تحلية المياه تشكل حلا نوعيا لمشكل الجفاف، إلا أن المغرب غير قادر على تلبية حاجياته الغذائية. وذلك لأن الأمن الغذائي يعتمد على أمرين: الإنتاج المحلي والواردات. وحسب تقرير للبنك الدولي فإن إجمالي الناتج المحلي انخفض بنسبة 6.5 في المائة. وذلك بسبب انخفاض إمدادات المياه وبالتالي تأثر جميع قطاعات الاقتصاد، إضافة إلى انخفاض غلة المحاصيل.
تفاقم خطر الكوارث الطبيعية
سجل المغرب 20 فيضانا كبيرا خلال العامين الماضيين، الشيء الذي أدى إلى خسائر تقريبية بلغت 450 مليون دولار لكل سنة، وذلك حسب معطيات قدمها البنك الدولي. كما ذكر التقرير أن ارتفاع منسوب سطح البحر أدى إلى تفاقم خطورة الفيضانات في المناطق الساحلية. وفي هذا الصدد، شرع المغرب في تفعيل برنامج متطور لإدارة وتمويل مخاطر الكوارث الطبيعية.
وعرف المغرب أيضا مشاكل تتعلق بندرة المياه وانعدام الأمن الصحي والتصحر والتآكل البحري. مما أدى إلى عواقب مثل توسع الهجرة المناخية وكذا هجرة الناس إلى المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، وبالتالي استنزاف للموارد في مناطق معينة.
تدابير الدولة من أجل مكافحة التغيرات المناخية في المغرب
في ظل الأزمات التي يواجهها العالم من استمرار تأثير جائحة كوفيد 19، والارتفاع الكبير لمعدلات التضخم، إضافة إلى الحرب التي لا زالت قائمة بين روسيا وأوكرانيا، فإن أكثر ما يمكن أن يقلق أي بلد هو تغير المناخ، لكونه يغير كل معطيات النسيج الاقتصادي والاجتماعي.
الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030
ومن بين الاستراتيجيات والخطط التي اعتمدها المغرب للتصدي لآثار التغيرات المناخية في المغرب: الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030 الذي تهدف إلى الارتقاء بالموارد البشرية والطبيعية.
وتقوم هذه الاستراتيجية على سبع رهانات أساسية، بما في ذلك تعزيز الحكامة من أجل التنمية المستدامة، والانتقال بنجاح إلى الاقتصاد الأخضر، وتحسين تدبير الموارد الطبيعية. إضافة إلى دعم حماية التنوع البيولوجي، وكذا تسريع تنفيذ السياسات الوطنية لمكافحة تغير المناخ، وزيادة الاهتمام بالمناطق الترابية المعرضة للخطر، فضلا عن دعم التنمية البشرية وتقليل الفوارق الاجتماعية، وتعزيز ثقافة التنمية المستدامة.
الاستراتيجية الوطنية للطاقة 2030
ونذكر أيضا الاستراتيجية الوطنية للطاقة التي تهدف إلى تعميم استخدام الطاقة المتجددة. وتقوم هذه الاستراتيجية على مجموعة من الأهداف، بما في ذلك تأمين إمدادات الطاقة، وحصول الجميع على الطاقة بأسعار تنافسية، إضافة إلى التحكم في الطاقة مع حماية البيئة.
وتشمل الاستراتيجية الوطنية للطاقة أكبر عدد من قطاعات مستهلكي الطاقة، بما في ذلك النقل والصناعة والبناء والزراعة.
المخطط الوطني للمناخ لسنة 2030
فيما يهدف المخطط الوطني للمناخ 2020-2030 إلى تعزيز القدرة على التكيف وكذا تسريع التحول نحو تنمية منخفضة الكربون، إضافة إلى تعزيز السياسات الوطنية المتعلقة بالمناخ على المستوى المحلي، وتشجيع الابتكار وزيادة الوعي لمواجهة تحديات تغير المناخ.
مخطط المغرب الأخضر للتنمية الفلاحية
تعد الركيزة الأساسية لمخطط المغرب الأخضر دعم ومساندة الأنشطة الفلاحية المراعية للمناخ. وذلك من خلال التعبئة الشاملة للفاعلين في مختلف سلاسل الإنتاج، وكذا توجيه الاستثمار نحو الفلاحة، والرفع من جاذبية المنتوجات الفلاحية وبذلك ارتفاع الإنتاج الفلاحي. ويهدف هذا المخطط إلى تحسين الإنتاجية والجودة، وبذلك ترتفع القيمة المضافة ودخل الفلاح.
وفي هذا الصدد، أظهرت نتائج مؤشر أداء تغير المناخ (CCPI) لعام 2023 أن المغرب يحتل المرتبة السابعة عالميا في مجال التخفيف من حدة تغير المناخ، وهو أداء جيد، متقدما برتبة واحدة عن تصنيف السنة الماضية.