منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان، تزامناً مع ثورة 17 أكتوبر 2019، تغير كل شيء. انهارت الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي ووصل الدولار الواحد إلى 100 ألف ليرة لبنانية. وتضررت مجموعة من القطاعات.
لكن، أكثر من تحمل عبء الأزمة كان القطاع الصحي. فلم تكفه الأزمة المالية وجاء فيروس كورونا في السنة نفسها وأهلك هذا القطاع مع طاقمه الطبي، وبدأ يتدهور شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى مشارف الانهيار. تارةً في غياب للمستلزمات والمعدات الطبية وتارةً تجسد ذلك في تهريب للأدوية والتلاعب بسعرها.
غياب الأدوية وارتفاع الأسعار
مع ارتفاع الدولار غابت الأدوية عن الصيدليات، بحجة عدم تسلم الصيادلة الأدوية من المستوردين نتيجة تقلبات الدولار المستمرة. مما كبد خسائر للمستوردين في الدرجة الأولى. وفي ظل غياب غالبية الأدوية، ارتفعت أسعارها بشكل جنوني وصدر القرار برفع الدعم عنها. وبقيت معظم الأدوية غير متوفرة. (مع الإبقاء على دعم أدوية السرطان والأمراض المستعصية).
كان الصيادلة يتبعون استراتيجية إعطاء شيك مدفوع إلى شركات الأدوية سلف شهرين. وبالتالي تضمن الشركات حقها ويكون الصيدلي قد باع البضاعة وأمّن المستحقات لها فيما بعد. لكن، في الوضع الراهن، تطلب الشركات الدفع نقدا بينما سعر البضاعة بات مضاعفاً عن المرات السابقة وقد لا يملك الصيدلي المبلغ الكافي للسداد حينها. كما أنّ شركات الأدوية باتت تحدد الكمية التي تريد أن تسلمها لكل صيدلية.
أدوية مهربة ومزورة ومنتهية الصلاحية
منذ بداية الأزمة، انتشرت الأخبار عن دخول أدوية إيرانية مهربة إلى السوق اللبناني. ليتم بعد ذلك تهريب كل من الأدوية السورية والتركية من دون إخضاع هذه الأدوية لأي من معايير السلامة والجودة، أو من دون تسجيلها في وزارة الصحة العامة، أي أنّها غير مرخصة.
لم يكن التخوف الحقيقي من المواد الموجودة في هذه الأدوية، بل لأنّه من غير المعروف كيف خُزّنت أو نُقلت. ولا يمكن لمريض السكري مثلاً المخاطرة بأخذ دواء بديل عن دوائه كونه أرخص بـ 10 مرات، مما قد يسبب له مضاعفات.
وعلى الرغم من تحركات المعنيين المستمرة. إلا أنّ دخول الأدوية المهربة والمزورة ما زال قائماً ولا يمكن ضبطه، خصوصاً مع صعوبة ضبط الحدود. فلم يكن من وزارة الصحة العامة في لبنان سوى إصدار مؤشر للأسعار، من أجل منع احتكار تجار الأدوية ولتسليمهم الصيدليات الأدوية التي يحتاجونها وفق المؤشر اليومي الذي يصدر موازاةً مع تغير سعر صرف الدولار. ومع ذلك ما زالت بعض الصيدليات تعاني.
على الرغم من وجود صيدليات تعاني وتتكبد الخسائر من أجل الحفاظ على السمعة الطيبة وخوفاً على سلامة المريض. هناك صيدليات تقوم ببيع الأدوية منتهية الصلاحية، إضافةً إلى الغش في بيع الدواء على دولار السوق السوداء وليس بسعره الحقيقي. فيما أنّ القانون يمنع تواجد الدواء منتهي الصلاحية، ويجب على الوكلاء استرداد الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات. ويتم إحالة المخالفين إلى مجالس التأديب داخل نقابة الصيادلة.
أدوية غير شرعية على مواقع التواصل
ولم يكن كافياً تهريب الأدوية عبر الحدود. بل زاد الأمر عن حده وصولا إلى بيع أدوية من خلال المواقع الإلكترونية والتي تعتبر أخطر بكثير من تواجد أدوية مهربة تعطى باستشارة صيدلي. فالأدوية المباعة على مواقع التواصل الاجتماعي يتم تداولها بين أشخاص عديمي الخبرة في مجال الصحة مما قد يسبب أذى للمشترين. إضافة إلى غياب الرقابة على هذه الوسائل وكثرة الحسابات المزورة التي قد تقوم بفعلتها وتختفي تماماً من الوسط.
وكانت قد أثارت هذه الظاهرة ضجة لفترة قصيرة في لبنان خصوصاً أنّها كانت تلقى تفاعلاً من البعض، بسبب تواجد هذه الأدوية بأسعار زهيدة جداً. كما أنّ بعضها يكون شبه مستعمل ويحتوي على بعض الأقراص. لكن حاجة الناس الملحة لهذه الأدوية أو عدم امتلاكهم المال لشراء الدواء الأصلي دفع بهم إلى هذا المسار.
وكان نقيب الصيادلة جو سلّوم في لبنان قد كشف أنّ “الأدوية المهرّبة على المواقع الالكترونية أصبحت تشكل أكثر من 30% من تلك الموجودة في الأسواق”.
شرعية الدواء
وأطلق سلوم مؤخراً خلال مؤتمر صحافي حملة الالتزام بالدواء الشرعي والتسعيرة الرسمية في الصيدليات الشرعية. وأعلن عن الملصق الصادر عن النقابة، والذي تتعهد الصيدليات الشرعية بوضعه على واجهتها والتزامها بالتسعيرة الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة. وفيما يلي نص الملصق:
“نحن المنتسبون إلى نقابة صيادلة لبنان ملتزمون بالتسعيرة الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة دون زيادة أو نقصان وصرف الدواء الشرعي المسجل في الوزارة، ما يشكل الضمانة الوحيدة لجودة العلاج وصحة المريض”.
نظام التتبع لضبط سوق الدواء
وكان وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال في لبنان الدكتور فراس الأبيض قد أطلق نظام التتبع الدوائي مع إمكانية انشاء رقم صحي موحد للمريض (Unique Health ID). مما يسمح للمريض ولجميع الطاقم الطبي متابعة ومراقبة ملف المريض مع ضبط سوق الدواء وخاصة أدوية الأمراض المستعصية والسرطان من خلال نظام التتبع.
وحسب الوزير في مؤتمر صحافي: “من بعض نتائج هذا النظام أنّه تم تأمين أكثر من 35-40% من الأدوية المعطاة عبر الوريد على نظام التتبع”.
غياب المستلزمات الطبية وتهريبها
عدا عن الأدوية، إنّ ارتفاع الأسعار أدّى إلى غياب المعدات الطبية اللازمة للعمليات الجراحية، وغياب عبوات الأوكسجين أثناء حدة فيروس كورونا، نقص الفلاتر المستخدمة في عمليات غسيل الكلى، ونقص الرسوات المستخدمة في عمليات القلب، ونقص في البنج…
وقد استمرت تحذيرات مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية وناشدوا السلطة، لكن لم يتجاوب أحد. حتى توقفت الشركات الخارجية عن تسليم البضائع للمستوردين. وفي ذلك الوقت، أعلن نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون أنّ “المستشفيات لم تعد قادرة على دفع مستحقات مستوردي المعدات والمستلزمات الطبية وقد تتوقف عن استقبال المرضى، باستثناء مرضى غسيل الكلى والسرطان”.
مؤخراً، تم الحديث عن انتشار ظاهرة تهريب المعدات الطبية ومن بينها المغروسات (راسورات) المستخدمة في عمليات القلب. إذ يتم إدخالها إلى الأراضي اللبنانية بطرق غير شرعية من دون أدنى معايير السلامة من أجل حفظ هذه المعدات.