اضطراب الفصام.. تعريفه، أعراضه وأسبابه وأهم سبل علاجه

في السنوات الأخيرة أصبحنا نسمع كل يوم مرضاً أو فيروساً جديداً، فقبل سنوات من الآن لم نكن نعرف شيئاً عن كوفيد 19 الذي قلب الدنيا رأساً على عقب، وغير نظرتنا للحياة في غضون مدة قصيرة، كما لم نكن نسمع كثيرا عن الاكتئاب أو الطاقة السلبية.. كل هذه الأمراض والفيروسات أصبحت واقعاً معاشا للكثير من الناس. من بين هذه الأمراض هناك مرض الفصام الذي سنتطرق  إلبه في هذه المقالة.  فما هو هذا المرض؟ ما هي أعراضه وأسبابه؟ وما هي أهم سبل علاجه؟ 

تعريف اضطراب الفصام 

الفصام هو اضطراب عقلي مُزمن وقوي، يُصنف من بين الأمراض المُزمنة التي يصعب معالجتها، ويحدث بسبب مشكلة بيولوجية تنطوي على حدوث تغيرات جزيئية ووظيفية في الدماغ، ويُصاب به حوالي 1% من تعداد السكان على مستوى العالم.  يُؤثر الفصام Schizophrenia مباشرة على طريقة تفكير وتصرفات الشخص المصاب به، ويُسبِبُ خللاً في طريقة التعبير عن مشاعره وإدراكه للواقع وكذا تعامله مع الآخرين. 

وحسب أبحاث قامت بها الجمعية الأمريكية للطب النفسي فإن اضطراب الفصام أو كما يُطلق عليه باسم “انفصام الشخصية”، قد يُؤثر على الجنسين بالتساوي، لكن الرجال قد يصابون به في سن مبكرة أكثر من النساء. كما أنه يزيد من احتمالية الوفاة في سن مبكرة. 

وبعيدا عن الاعتقادات الشائعة، فإن الفصام لا يعني بشكل مباشر انقساماً أو تعدداً في الشخصية، بل يتضمن أشياء أخرى تجعله مرضاً عقلياً لا يترك لصاحبه مجال التمييز بين ما هو حقيقي وخيالي. الفصام أو فصام الذهان  psychosis كما يسميه بعض علماء النفس يتسبب في دخول المريض في حالة يشعر فيها ان العالم هو مزيج بين الأفكار والصور والأصوات المربكة على شكل هلوسات غير حقيقية، الأمر الذي يجعل سلوكه غريباً وفي بعض الأحيان صادماً. 

أعراض اضطراب الفصام 

وكغيره من الاضطرابات النفسية يتسبب اضطراب الفصام في ظهور العديد من الأعراض التي قد تبدأ في الظهور بشكل تدريجي على المريض وتتزايد يوماً بعد يوم. تشمل الأعراض المُتعارف عليها من قبل منظمة الصحة العالمية ما يلي: 

• الأوهام المُستمرة 

يعيش الشخص المصاب وسط دوامة مسترسلة من الأوهام والمعتقدات التي لا أساس لها من الصحة، إذ يشعر أنه عرضة للمضايقة رغم أن لا شيء يحدث، أو قد يأتيه إحساس أن كارثة ما سوف تحدث، على الرغم من وجود أدلة تثبت عكس تلك الأفكار التي تجول في عقله. هذه الأوهام هي من بين الأعراض الرئيسية التي تُصيب كل مرضى اضطراب الفصام. 

• الهلوسة المستمرة 

الهلوسة هي عبارة عن صور، أو روائح، أو طعم، أو أي أحاسيس أخرى قد تتخيل للشخص المصاب، فمثلا ممكن أن يرى شيئا أو يسمع أصواتا رغم انها غير موجودة على أرض الواقع. وتُعتبر الهلوسات السمعية هي الأكثر شيوعاً من بين كل الأنواع الأخرى المذكورة. 

• التفكير غير المنظم 

غالباً ما يكون على أنه كلام مشوش أو غير منظم، فمثلا ممكن أن يُجيب الشخص المصاب عن سؤال طُرح عليه بإجابة غير مُتربطة جزئياً أو كُلياً. ومن الممكن أن يؤدي التفكير غير المنظم إلى ضعفٍ في التواصل، فيما يؤثر أيضا على سلوك الشخص حيث قد تبدر منه استجابات عاطفية غير متوقعة أو غير مناسبة تتعارض مع قدرته على تنظيم سلوكه. 

• سلوك حركي غير منظم 

قد يظهر هذا السلوك بعدة طرق وبشكل غير منظم او غير طبيعي، إذ قد يلجأ الشخص المصاب لسلوك لا يتناسب مع عمره كالسخافة الطفولية، أو الانفعالات غير المتوقعة والغريبة، وكذا ممكن ألا تبدر منه أي حركة، وهي التي يطلق عليها الأطباء الافتقار التام للاستجابة أو الجمود Catatonia، في حين ممكن أن يحدث عكسها تماما من خلال فرط في الحركة. هذا الاضطراب في السلوك قد يعيق قيام المريض بالعديد من المهام. 

إلى جانب الأعراض المذكورة أعلاه، هناك عدة أعراض أخرى لاضطراب الفصام كالأعراض الإيجابية والتي تتجلى في تراجع القدرة على التعبير عن العواطف، حيث قد يصعب على المريض أن يُعبر عن مشاعره وأحاسيسه، كما قد تنعدم لديه المشاعر العاطفية بشكل نهائي. انعدام التلذذ Anhedonia هي من بين الأعراض التي تُفقد للشخص المصاب الرغبة والاهتمام في القيام بالأنشطة التي اعتاد على ممارستها قبل مرضه، كما يصبح غير قادرِِ على الاستمتاع بالأمور المبهجة. 

أسباب اضطراب الفصام 

حسب العديد من الأبحاث المخصصة لدراسة شاملة حول اضطراب الفصام، فإنها لم تتوصل حتى الآن للسبب الرئيسي والدقيق وراء إصابة الأشخاص بهذا الاضطراب، لكن الخبراء يُرجحون وبشدة أن التفاعل الحاصل بين الجينات ومجموعة من العوامل البيئية والوراثية قد تؤدي إلى الإصابة به، أيضا وجدوا أن العوامل النفسية والاجتماعية تؤثر أيضا على بداية مرض الفصام ومساره، فيما يُؤكد أطباء آخرون أن الاستخدام المكثف للقنب يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بهذا الاضطراب. 

سبل علاج اضطراب الفصام 

قبل الحديث عن سبل علاج اضطراب الفصام يجب أن تعلم عزيزي القارئ أن مُعظم مرضى اضطراب الفصام يعانون من افتقار كبير في الوعي، بحيث لا تتبادر إلى ذهنهم أنهم لا يشكون من أي مرض عقلي أو نفسي، لكن الحقيقة تعكس تصورهم، إذ كل تلك الصعوبات والسلوكيات الغريبة التي يعانون منها تنبع من اضطراب عقلي يتطلب رعاية طبية عاجلة.  

هنا يأتي دور الوسط العائلي أو الأصدقاء، إذ بالرغم من افتقارهم للوعي فإن عائلاتهم وأصدقاءهم يجب أن يتحلوا بالوعي الطبي الكبير في كثير من الأحيان كي يستطيعوا تقديم المساعدة اللازمة لهؤلاء المرضى. لكن السؤال المطروح هنا، كيف سأمد يد المساعدة لشخص مريض باضطراب الفصام؟ 

الجواب كالتالي: 

إذا سبق واعتقدت أن شخصاً من معارفك يعاني من أعراض هذا الاضطراب فيجب أن تخلق بينكما تواصلا دائماً، لكن كيف سيحدث هذا الأمر؟ الأمر بالرغم من أنه بسيط فإنه صعب نوعاً ما، إذ سيتطلب منك مجهوداً عالياً، ستحاول الجلوس معه بشكل مستمر وتتحدث معه حول المخاوف التي تنتابه، أو الأفكار السلبية التي تُسيطر عليه، لكنك رغم كل هذه النقط لن تستطيع إجباره على طلب المساعدة الطبية، بل يمكنك تقديم التشجيعات اللازمة والدعم والمساعدة من خلال إقناع المريض كي يخضع للعلاج ويعثر على طبيب مؤهل أو متخصص في الصحة العقلية. 

التشخيص الطبي 

عند اتخاذ المريض قرار تلقي المساعدة الطبية اللازمة لعلاج اضطراب الفصام، يقوم الطبيب بإجراء بحث في التاريخ الطبي الكامل والمفصل للشخص المعني، وفي بعض الأحيان قد يتطلب من الطبيب إجراء تشخيص جسدي، رغم عدم وجود أي اختبارات داعمة لتشخيص المرض بشكل دقيق، إلا أن الأطباء قد يلجؤون لاستخدام اختبارات متعددة، كاختبار الدم أو صور للدماغ، لاستبعاد أي مرض جسدي أو عقلي آخر. 

وفي حال عدم وجود أي أعراض جسدية تشير إلى أن المريض يُعاني من اضطراب الفصام، قد يُحيله إلى طبيب نفسي مُتخصص في الصحة العقلية، الذي يعتمد عدة طرق ومقابلات لكشف إصابة الشخص بهذا الاضطراب، مُعتمداً على تاريخه وعائلته الطبي، وكذا سلوكه وموقفه. 

علاج اضطراب الفصام 

على الرغم من عدم وجود علاجات مُباشرة لعلاج اضطراب الفصام، فإن العديد من المرضى يشعرون بتحسن كبيرِ بعد المساعدة الطبية في حال ظهور الأعراض الأولى البسيطة. هناك عدة أدوية مُعتمدة في علاج أو تقليل أعراض الفصام، إذ تُساعد في تقليل احتمال حدوث نوبات حادة في المستقبل وشدتها، وتُسمى بمضادات الذهان التي تنقسم لنوعين أدوية مضادة للذهان الأقدم أو كما يُطبق عليه الجيل الأول: 

• كلوربرومازين (ثورازين) 
• فلوفينازين (بروليكسين) 
• هالوبيريدول (هالدول) 
• لوكسابين هيدروكلوريد (لوكسابين) 
• بيرفينازين (تريلافون).. 

وأدوية مُضادة للذهان الأحدث أو الجيل الجديد أو الجيل الثاني: 

• أريبيبرازول (أبيليفاي) 
• أريبيبرازول لوروكسيل (أريستادا) 
• أسينابين (سافريس) 
• بريكسبيبرازول (ريكسولتي) 
• كاريبرازين (فرايلار) 

أما بالنسبة للعلاجات النفسية فهي عبارة عن أداة يلجأ إليها الطبيب كي تساعد المريض في المشاكل السلوكية والنفسية والاجتماعية والمهنية التي تصاحب المرض، وكذا تُمكنه من إدارة أعراضه وتحديد العلامات الأولى المنذرة للانتكاس. وتشتمل العلاجات النفسية على خطوة إعادة التأهيل التي تمكن المريض من التركيز على المهارات الاجتماعية والتدريب الوظيفي من أجل توفير فرصة له للتعايش في المجتمع بشكل مُستقر ومُستقل. 

العلاج المعرفي الذي يعتمد على تمارين الكمبيوتر لتقوية المهارات العقلية التي تحفز لديه حِس الانتباه، والذاكرة، والتخطيط، والتنظيم …