تعد حادثة الزيوت المسمومة ثاني أكبر كارثة عرفها المغرب بعد زلزال أكادير. مأساة حقيقية غيرت حياة الآلاف من المغاربة. إذ كان ضحيتها حوالي عشرون ألف شخص، منهم من توفي ومنهم من أصيب بعاهات مستديمة.
السياق التاريخي ودور المغرب في الحرب العالمية الثانية
خلال الحرب العالمية الثانية المندلعة، وفي سنة 1942، تدخلت أمريكا لمساعدة الحلفاء من أجل إيقاف المد الألماني بقيادة أدولف هيتلر. كما قامت بإنزال عسكري مكثف في المغرب. وذلك بحكم الموقع الاستراتيجي المهم، والذي لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية الاستغناء عنه في حرب موسعة. إذ كان المغرب هو نقطة انطلاقها لمواجهة النازية الألمانية في الجبهة الجنوبية لأوروبا وشمال إفريقيا. كما تحول المغرب إلى الخط الأمامي للدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب.
وشهد تاريخ 8 نونبر 1942 أكبر إنزال للقوات العسكرية الأمريكية على السواحل المغربية. وذلك في كل من الدار البيضاء، آسفي، مراكش، أكادير والمحمدية. وسميت هذه العملية بعملية “الشعلة”.
وبعد بضع سنوات، لم تعد الوضعية الداخلية بالمغرب تسمح لأمريكا بالمكوث هناك. وفي سنة 1956، كانت المملكة تسعى لاستكمال وحدتها الترابية. وعقب ذلك، طالبت بانسحاب أمريكا من القواعد.
تطلب الأمر سنة كاملة من أجل قبول أمريكا للجلوس مع المغرب في طاولة المفاوضات. ثم سنة ثانية لقبول مطلب الإجلاء. ثم سنة ثالثة للاتفاق على موعد الإجلاء. لينجح المغرب في الأخير بإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بالرحيل التام سنة 1963.
حادثة الزيوت المسمومة
بدأت قضية الزيوت المسمومة صيف سنة 1959. هذه الفاجعة التي هزت المغاربة بعد الاستقلال. حيث ظهرت حالات تسمم عند آلاف المواطنين في مدن مختلفة، خاصة في مكناس، سيدي سليمان، سيدي قاسم، الخميسات وغيرها من المدن. وهي الكارثة الغذائية التي غيرت من حياة ما يقارب عشرين ألف شخص منهم من توفي ومنهم من أصيب بشلل على مستوى الأطراف السفلى.
وأظهرت التحقيقات بعد ذلك أن أنواعا من زيوت الطبخ التي تم استهلاكها من طرف السكان كان مصدرها زيوت تشحيم طائرات حربية. إذ قام أحد التجار بشراء هذه الزيوت من سماسرة في القواعد الأمريكية التي كانت موجودة في المغرب.
ويتعلق الأمر بمادة سامة باسم “TSP ” أي ثلاثي فوسفات الصوديوم. إذ قاموا بتخليط 76 في المائة من هذه المادة السامة مع 33 في المائة من الزيوت النباتية الغذائية الطبيعية، ليقوموا بعد ذلك ببيعها بأثمنة بخسة للناس.
وأشارت التحقيقات بعد ذلك إلى أن الكمية التي تركتها الولايات المتحدة الأمريكية من تلك المادة المسمومة كانت كافية لقتل الملايين إذا تم نشرها بشكل واسع.
والتمت العائلات حول الموائد، أكلوا ما لذ وطاب لهم من الوجبات المطهية بتلك الزيوت المسمومة. بعدها بأيام، أو حتى ساعات معدودة، اكتظت المستشفيات بحالات التسمم الخطيرة والقاتلة، ووجد الأطباء أنفسهم أمام جيش من المرضى بمرض قاتل ومجهول.
وأحدث هذا الحادث المجهول هلعا وسط الساكنة. وكثرت الآراء حول الموضوع: هناك من اعتقد أن الحادث متعلق بالجن، وهناك من هرول إلى مدن أخرى، معتقدين أن ما أصاب الآخرين هو مرض فتاك معد.
كيف تجاوبت السلطات المغربية مع الحادث المأساوي؟
تم بالأساس تقديم إعانات للمتضررين من الحادث من الزيت والطحين والحليب، وغيرها من المواد الغذائية الأساسية.
وأصدر الملك الراحل الحسن الثاني ظهيرا شريفا رقم 231 – 60 – 1 الصادر بتاريخ 07 دجنبر 1960 في الجريدة الرسمية عدد 2517. ينص على عقوبة الإعدام على الجناة، وكذا السجن المؤبد على المشاركين في الجريمة.
كما نص هذا الظهير على تخصيص تعويضات لصالح الضحايا، وذلك بتقديم إعانات شهرية تبلغ 1000 درهم للضحية و200 درهم لكل طفل يقل عمره عن 21 سنة. إلا أن هؤلاء الضحايا لم يتوصلوا بمستحقاتهم وظلوا يحتجون لأعوام من أجل المطالبة بحقوقهم، والمطالبة بالتسوية المالية.
وفي سنة 2010، تم توقيع اتفاقية بمقر وزارة الاقتصاد والمالية من أجل إنصاف الضحايا وهي الاتفاقية التي كانت أيضا مجرد حبر على ورق.