بات واقع المؤسسات اللبنانية معروفاً بعد العديد من الأحداث التي شهدها لبنان، وربما قبل ذلك. خلل وأنظمة متآكلة حتى وصلت مرحلة الشلل التام. بدت معالم هذه المشكلة تتضح أكثر فأكثر مع بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان وتطورها إلى الأسوأ، إذ انعكست على جميع القطاعات وكانت أكثرها تأثيراً على المؤسسات العامة التابعة للدولة.
ليست الأزمة الاقتصادية الدافع الاساسي أو الوحيد لانهيار هذه المؤسسات، بل يعود الأمر إلى سنوات من سوء الادارة والاهمال والفساد. ويتمثل الفساد في عملية التوظيف العشوائية من دون الاعتماد على الكفاءة، إضافة إلى المحسوبية والرشاوى المقدمة وتقاعس الموظفين عن أداء وظيفتهم بالشكل المطلوب.
أسباب سوء الوضع في المؤسسات
أمّا حاليا، فإنّ هجرة اليد العاملة من لبنان وخصوصاً الشباب أصحاب الكفاءات زاد الأمر سوءاً، اذ إنّ هجرة الأدمغة في لبنان وصلت إلى حوالي 13 ألف مهاجر. ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية لم تستطع الرواتب المدفوعة أن تلبي حاجة المواطن اللبناني فانخفضت قدرته الشرائية، ومع ارتفاع أسعار كل المقومات الاساسية عجز العاملون عن الحضور إلى عملهم بشكل طبيعي، وليس ذلك فقط، بل إنّ موظفي القطاع العام من موظفي إدارات ومعلمين أو حتى عاملين في القطاع الطبي أعلنوا إضرابهم نتيجة عدم حصولهم على أدنى حقوقهم لكي يستمروا في هذا الوضع المُزري.
ارتبط هذا الاضراب بغلاء البنزين وغيابه وغلاء تكلفة المواصلات ما صعّب عملية التنقل. هذا عدا عن الارتفاع الحاد لأسعار المواد الغذائية وكلفة الاستشفاء والأدوية وغيره كأقساط المدارس والجامعات وكل التكاليف الأخرى. إضافة إلى عدم حصول الموظفين على رواتبهم بالوقت المطلوب وإن حصلوا عليها فإنّها لا تلبي ولو قسمٍ بسيطٍ من حاجاتهم، هذا إلى جانب غياب الحوافز التي لطالما توعد المعنيون بتقديمها.
واقع المؤسسات حالياً
وقد مر وقت طويل في لبنان كانت فيه جميع المؤسسات معطلة بالكامل، توقفت جميع المعاملات في الدوائر الرسمية إمّا بسبب شح الأوراق والحبر والمستلزمات اللازمة وإما بسبب تقاعس الموظفين عن تأدية عملهم. لا أوراق لإخراج القيد، لا جوازات سفر، لا طوابع بتاتاً وبالتالي توقفت جميع المعاملات والاجراءات.
شملت هذه الأزمة المدارس والمستشفيات أيضاً إذ غابت المستلزمات اللازمة، وعجز العاملون عن الحضور. هذا إلى جانب غياب الكهرباء، وغلاء المازوت أو غيابه كذلك.
حسب آراء العديد من الخبراء الاقتصاديين اللبنانيين “لا حماية حقيقية للاقتصاد الوطني للمؤسسات، كما أنّ لا اصلاحات في الأفق ولا استقرار سياسي وبالتالي لا ثقة للبنانيين أو الخارج بالاقتصاد اللبناني. الشلل الحاصل لا يرتبط بالأزمة الحالية فحسب، بل بتركيبة أنظمة الادارات وهيكلتها وسياساتها”.
استناداً إلى صندوق النقد الدولي، فإنّ المؤسسات حالياً في لبنان تعيش حالة انكماش اقتصادي وصل الى حد 40%.
ووفقاً للباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين “يوجد في لبنان 93 مؤسسة عامة، من ضمنها المستشفيات الحكومية، إلى جانب 22 وزارة رئيسية، ويعمل نحو 210 ألف عامل مدني، بين موظف ومتعاقد وأجير بالقطاع العام”.
وكان خبير السياسات العامة زياد الصائغ قد شرح لـ “الجزيرة. نت” عن أزمات تتحكم بالإدارة العامة منها هيكلة تقليدية ومترهلة، لم يتم تحديثها منذ أكثر من 20 عاماً، عدم امتلاكها التوصيف الوظيفي الحديث، أو مواكبتها تطورات العصر والتكنولوجيا، فقد أصيبت بحالة تخلف، غير مرتبطة بالكفاءات التي تختزنها. خلفت الإدارات العامة اقتصادًا رديفاً وجزءا مؤسساً لحالة الفساد والرشوة وسلب المال العام على جميع الأصعدة. واكتفى أصحاب الكفاءات بحماية مصالحهم الوظيفية بالمؤسسات، بدل محاولة الإصلاح من الداخل تصديا لتطويع مرافق الدولة”.
الحلول المطروحة للمعالجة
الحل الأساسي والذي يطرحه جميع الخبراء، هو إعادة هيكلة القطاعات والنظام المالي، تفعيل المساءلة والمحاسبة ووضع سياسات واستراتيجيات لمعالجة وحل المشاكل الادارية.
وحسب الموقع الرسمي للجيش اللبناني، فإنّ سبل المعالجة تبدأ مع ممارسة السلطات الرسمية دورها في الاشراف والرقابة والتدخّل وسنّ القوانين والتشريعات وغير ذلك. من ثمّ، العمل على نشر ثقافة الإدارة الرشيدة أو الحوكمة التي تصبو إلى بناء إدارة عامة سليمة، سواء أكان ذلك بجهود الدولة أم بالشراكة مع القطاع الخاص.
كما أنّ الخصخصة تعتبر جزءاً من عملية الإصلاحات الهيكلية للقطاع العام في البنيان الاقتصادي، وفقاً لتعريف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) وتتضمّن إعادة تحديد دور الدولة والتخلّي عن الأنشطة التي يمكن للقطاع الخاص القيام بها، مستهدفة بوجه عام رفع الكفاءة الاقتصادية.
ما هي الخصخصة؟
والخصخصة هي منح القطاع الخاص دوراً متزايداً في الحياة الاقتصادية، من خلال توسيع قاعدة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتقليص دور الدولة في الشؤون الاقتصادية، إفساحاً لها لأن تولي اهتماماتها في تأمين الأمن والرعاية.
وقد ازداد التوجّه نحو الخصخصة التي تدأب إلى حل مشكلات كثيرة منها:
- التخلّص من البيروقراطية والروتين الإداري
- تخفيض الأعباء والنفقات المالية عن كاهل الدولة
- استخدام أساليب الإدارة الحديثة
- الحد من مظاهر الاقتصاد الخفي وأساليب الفساد
- إعادة نسج دور الدولة
- تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية