شَهدت منطقة البحر الأيوني يوم 4 شتنبر ضغطا جويا منخفضا صنف كعاصفة تم التعامل معها في بداية الأمر على أنها عاصفة استوائية عادية وفقًا للهيئة الفرنسية للأرصاد الجوية. لكن، سرعان ما اشتدت قوة الرياح بفعل درجة حرارة المياه الدافئة وتحولت إلى إعصار مُدمر أربعة أيام بعد ذلك.
اعُتبرت الأولى من نوعها ضمن موسم أعاصير المنطقة لعام 2023. وأضافت الهيئة أن العاصفة كانت مُتوجهة إلى أوروبا قبل أن تغير مسارها وتنحرف باتجاه السواحل الليبية، بعد تَحولها إلى إعصار. مُسفرة عن مصرع 11 شخصًا على الأقل في اليونان، وفقدان وإصابة آخرين، بالإضافة إلى الأضرار المادية الجسيمة التي أحدثتها العاصفة خلال 3 أيام متواصلة من سقوط الأمطار الغزيرة في المنطقة.
إعصار دانيال في ليبيا
وصل الإعصار إلى الأراضي الليبية ضاربًا اليابسة بالقرب من مدينة بنغازي يوم الأحد 10 شتنبر. مُخلفًا وراءه مشاهد مُروعة تكاد تكون أفظع من مشاهد كافة حروب تاريخ البشرية أجمع. فقد لقي ما لا يقل عن 20 ألف شخص مصرعهم إلى حدود كتابة هذه السطور، بالإضافة إلى مئات المفقودين الذين ما زالت عمليات البحث قائمة من أجل العثور عليهم.
وانحسر الإعصار في ليبيا تاركًا خلفه قصصا يشيب لها الوجدان. حيث تتكدس مئات الجثث في طرقات المستشفيات وأماكن حفظ الموتى. بالإضافة إلى عشرات الجثث التي وضعت في الشوارع على أمل أن يتم التعرف عليها من قِبل أقاربهم قَبل أن يتم دفنها في مقابر جماعية. هذا وبالإضافة إلى عشرات الجثث التي ما زال البحر يُلقي بها على الشواطئ في مشاهد تُدمي القلب. كما كان الإعصار سببًا لنزوح آلاف المواطنين بعد أن سُويت بالأرض أحياءٌ بأكملها.
انهيار سدود درنة سبب تفاقم الفاجعة
في تقرير صدر عام 2022 من قِبل مسؤولين ليبيين تم نشره من خلال جامعة سبها الليبية. أفاد أن السدود في درنة معرضة بشكل كبير لخطر الفيضانات، وأنها بحاجة إلى صيانة دورية. كما أفادت العديد من وسائل الإعلام الليبية أن السلطات تلقت تحذيرات مسبقة بأن السدود بحاجة إلى الصيانة لكنها لم تتخذ أي إجراء بخصوصها.
هو الإهمال المُستمر الذي حول إعصار دانيال إلى كارثة في مدينة درنة، التي تُلقب الآن بمدينة الأشباح حيث تتناثر الجثث في الطرقات بعد أن جرفتها الأمطار الغزيرة. وذلك بعد انهيار سَدّين بسبب ضغط المياه، مما أدى إلى انجراف الأمطار باتجاه البيوت والمنازل مسببًا اختفاء أحياء كاملة بمن فيها من عائلات. حيث يقدر إلى حدود اليوم الجمعة أن 11300 قتيلًا كانوا من سكان مدينة درنة وحدها.
خسائر فادحة كان من المُمكن تفاديها
انتقدت الأمم المتحدة حكومة ليبيا بعد الدمار الهائل الذي أحل بالمنطقة عُقب الفيضانات المميتة، مؤكدة على أن الحكومة تتحمل كافة المسؤولية. مشيرة إلى أن الإعصار لم يكن مفاجئًا، بل تم رصده منذ البداية. إلّا أن الإهمال وسوء التنسيق بين الجهات المَعنية والفشل الإداري جراء تراكم الأزمات خلال السنوات الماضية أدى إلى هذه الكارثة. حيث أفادت التقارير الحديثة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن معظم الضحايا كان من الممكن الحفاظ على سلامتهم. لكن، عدم الاستقرار السياسي الذي عانت منه البلاد لسنوات حال دون ذلك.
الفِرار من الموت إلى الموت
لم تكن المأساة هنا ليبية فقط، فالحُزن واحِد والألم مُشترك. فقد رُويت قصص لعشرات المغتربين العرب من فلسطين ومصر وسوريا ولبنان وغيرها من البلدان العربية. الذين فروّا من الموت ومن الأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة في بلادهم ملتجئين إلى ليبيا. إلّا أن لا فرار من الموت على أي حال. فقد أكدت الأرقام الرسمية وفاة أكثر من 20 فلسطينيًا وما يزيد عن 80 مصريًا.
مناشدات مستمرة لتوفير المساعدات
تسارعت الجهود المحلية والعربية والدولية لمساعدة ليبيا. فقد تعهدت الأمم المتحدة بتقديم عشرة ملايين دولار لدعم الناجين. وأعلنت بريطانيا أنها سترسل حزمة أولية من المساعدات تصل قيمتها إلى 1.25 مليون دولار.
وأرسلت فرنسا نحو 40 من رجال الإنقاذ وأطنانًا من الإمدادات الصحية إلى جانب مستشفى ميداني. وأعلنت تركيا والتي كانت من أوائل الدول التي استجابت للمناشدات، أنها سترسل مساعدات إضافية عن طريق السفن، بما في ذلك مستشفيين ميدانيين.
وتعهدت الجزائر وقطر وتونس أيضًا بالمساعدة. في حين أرسلت الإمارات العربية المتحدة طائرتين تحملان 150 طنًا من المساعدات. وأقلعت 40 طنًا أخرى من الإمدادات على متن رحلة كويتية. ورغم هذا، ما زالت هناك مناشدات مستمرة لتوفير المساعدات. حيث إن عمليات الإنقاذ والإغاثة تواجه تحديات كبيرة بسبب الطرق المَسدودة والمُدمرة والمُغمورة بالمياه. بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء والاتصالات على نطاق واسع.
هل تفاقم الكوارث يعني عدم صلاحية الأرض للعيش البشري؟
لعل ما يتبادر إلى ذهننا مجرد سماع وقراءة الأخبار في الفترة الأخيرة أن الأرض وكأنها لم تعد صالحة للعيش. فكل ما نسمعه مؤخرًا أن هناك زلزال في مكان ما، وعاصفة في مكان آخر، وفيضان في بلد في أقصى الشمال، وانهيارات أرضية في أقصى الجنوب.
فهل أصبح هناك حاجة لوجود هيئة عالمية للتعامل مع الكوارث الطبيعية؟ ربما تكون الإجابة “نعم” هي الإجابة الصحيحة لذلك. فبالإضافة لكل ما سبق من كوارث، توجد دراسة حديثة لمجموعة من العلماء الدوليين في دورية “ساينس أدفانسس”، أكدت على أن كل من مناخ الأرض والتنوع الحيواني والمياه العذبة وغيرها من الأمور طبيعية قد خرجت عن السيطرة بالفعل.
وأوضحت دراسة أخرى أن حموضة المحيطات وصحة الهواء وطبقة الأوزون ما زالت ضمن المعدل الطبيعي إلّا أنها بدأت تسير في الاتجاه المعاكس. وهناك دراسة أخرى تم إجراؤها عام 2009؛ قام فيها باحثو الدراسة بوضع 9 معايير لقياس مدى صحة الأرض فتبين فيها أن الأرض تملك أكثر من 6 معايير لذلك؛ إلّا أن هناك تحديث أخير لهذه الدراسة تبين فيها أن الثلاث معايير الأخرى من ضمنها “صحة المياه” انتقلت من فئة “بالكاد آمن” إلى فئة “خرج عن السيطرة”. فهل وصلت الأرض إلى مرحلة لا عودة ولم تعد آمنة للبشر؟