من أكثر التساؤلات التي تدور في أذهان الكثيرين، لماذا قد يولد الشخص أعسراََ؟ خصوصاً أننا اعتدنا على أنّ الإنسان يستخدم يده اليمنى للأكل والكتابة ولكافة الأعمال الأخرى، ونستغرب كلّ مرة عندما نرى شخصاً يأكل أو يكتب بيده اليسرى. نلاحظ أنّ دائماً ما يطلب الأشخاص من الشخص الأعسر محاولة استخدام يده اليمنى إلا أنّه يفشل، مثله مثل الأيمن الذي يعجز عن استخدام يده اليسرى أيضاً. وقد يعتبر البعض أنّ استخدام اليد اليسرى مهيناً خصوصاً عند إلقاء السلام أو عند الأكل باعتبار أنّ الأولوية في هذه المهام هي لليد اليمنى، وهذا يعود إلى الثقافة المجتمعية والدينية، والبعض يربط ذلك بالأساطير القديمة، على أنّ كل من يستخدم يده اليسرى شرير أو فاسد.
ما السبب وراء استخدام اليد اليسرى؟
البعض يرى أنّ أسباب استخدام اليد اليسرى تعود إلى الجينات الوراثية، إذ أن هناك احتمال 15% أن يولد الطفل أعسراََ إذا كان أحد والديه كذلك، وقد تزيد النسبة إلى 25% إذا كان كلا والديه عُسْر مع العلم أن نسبة الاطفال العُسْر في المجتمع لا تزيد عن 10%. وهناك دراسات تشير إلى أنّ دماغ الجنين التي تعرضت الجهة اليسرى منه لأي مشاكل أثناء الحمل من الممكن أن تتسبب في ولادة طفل أعسر، حيث إن الجهة اليسرى هي التي تحرك الجزء الأيمن من الجسم والعكس صحيح. غير ذلك قد يصبح الشخص أعسراََ حسب الممارسة أي اعتاد على استخدام يده اليسرى منذ الصغر.
درس عالم النفس الأيرلندي “بيتر هيبر” مئات من الفحوصات للأطفال بالأشعة، وذلك في المرحلة التي يكون فيها الطفل جنينا في الرحم يمص إبهامه. وقد قام حوالي 90% من الأجنة بمص إبهامهم الأيمن، وفي عمر 12 عاما تقريبا كان كل مصاصي الإبهام الأيمن يستخدمون اليد اليمنى. في حين أن ثلاثة أرباع مصاصي الإبهام الأيسر أصبحوا من مستخدمي اليد اليسرى.
دماغ مستخدمي اليد اليسرى
يقول علماء في جامعة أكسفورد إن أدمغة الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى تعمل بشكل مختلف عن الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى. وفي إحدى الدراسات تمت مراقبة الدماغ لدى المشاركين الذين يستخدمون اليد اليسرى، وقال العلماء إن جانبي الدماغ كانا متصلين بشكل أفضل وأكثر تنسيقا لدى مستخدمي اليد اليسرى، لا سيما في المناطق التي تنطوي على استخدام اللغة.
في السياق نفسه، يقول عالم النفس من كلية لندن الجامعية كريس ماكمانس، وهو مؤلف كتاب “يد يمنى.. يد يسرى”: “إن الطريقة التي ينتظم بها دماغ الشخص الأعسر تتسم بتغير وتنوع كبيرين. حدسي الشخصي يفيد بأن الأعسر ينعم بموهبة أكبر، ويعاني من أوجه قصور أكثر أيضاً”.
شخصيات مشهورة استخدمت اليد اليسرى
غالبا ما يُزعم أن الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى هم أكثر إبداعاً وجيدون في الفن والموسيقى. ومع ذلك، لا توجد أدلة علمية كافية لإثبات ذلك حتى الآن. إن بعض أصحاب اليد اليسرى من المبدعين المشهورين مثل ليدي غاغا، وأنجلينا جولي، وكيتلين جانر، وجاستين بايبر، ومات جرونينغ مؤلف عائلة سيمبسون … كما أنّ أشهر الشخصيات تاريخياً كانوا عُسْر مثل الاسكندر الأكبر، غاندي، ألبرت اينشتاين، نيوتن ونبليون بونابرت، الرسام ليوناردو دافنشي، ركي، جيمس جارفليد، أول رئيس أعسر، حيث كانت لديه مهارة كتابة اللاتينية بيده اليمنى واليونانية باليد اليسرى في نفس الوقت …
العُسْر أكثر ذكاءً؟
هذا وأجريت العديد من الدراسات حول الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليسرى، وخلصت الدراسات إلى أن هؤلاء الأشخاص أكثر ذكاء مقارنة بمن يستخدمون يدهم اليمنى، لأنهم قادرون على حل المسائل الرياضية المعقدة، كما أن لديهم قدرة فائقة على التركيز والتذكر، بالإضافة إلى أنهم الأفضل في استخدام أيديهم في المشاحنات والعراك والمشاجرات، وكذلك في الألعاب الرياضية وخاصة الرياضيات العنيفة ولعبة البيسبول، والتنس والمبارزة. كما أوضحت الدراسات أن 57% ممن يستخدمون اليد اليسرى في اختبار القيادة نجحوا بكفاءة أكبر بحوالي 47% ممن يستخدمون اليد اليمنى.
وأكدت أن الشخص الأعسر هو شخص عبقري، ولكنه معرض للإصابة بالعديد من الأمراض النفسية مثل الفصام والتوحد والصرع، مقارنة بالأشخاص الذين يستعملون يدهم اليمنى في الحياة.
يقول استشاري أمراض المخ والأعصاب الدكتور أسامة جاد إنّ “نسبة الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليسرى بدلا من اليمنى تزداد نسبيا، فقد كانت نسبة الأشخاص العُسْر في مطلع القرن العشرين 5-7% فقط”، مشيراً إلى أنّه “في البداية لابد من معرفة من هو الشخص الأعسر، فالمخ يتكون من فصين الأيمن والأيسر، وهما متشابكان وبطبيعة الحال غالبا ما يسيطر الفص الأيسر على الأيمن ويتحكم بالجسم، وذلك عند الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى وهم الأغلبية العظمى، والعكس ينطبق على الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليسرى، فالجزء الأيمن هو المسيطر على الدماغ، إلا أن ذلك لا يمنع أن الجزء الأيسر له قدرة على السيطرة على المخ أيضا، وغالبا ما يكون ذلك في 60 – 70% من الأشخاص العُسْر، لذلك فإن نسبة كبيرة منهم لديهم قدرة على استخدام اليد اليمنى واليسرى معا، مؤكدا أن أغلب الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى بالفعل قادرون على استخدام اليد اليمنى، لذلك فمع التقدم في السن تكون لديهم قدرة على استخدام اليد اليمنى في الكتابة وتناول الطعام وممارسة الرياضة وغيرها من الأشياء”.
ونصح الدكتور أسامة بـ “ضرورة استشارة طبيب مخ وأعصاب قبل إجبار الطفل على استخدام يده اليمنى، وتقبل الطفل على ما هو عليه، لأن لا مشكلة في استخدام اليد اليسرى بدلا من اليمنى والعكس كذلك. فهناك بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون استخدام أيديهم اليمنى نهائياً، وفي حالة إجبارهم على استخدام يدهم اليمنى، من الممكن حدوث مشاكل أخرى وهي شعور الطفل بآلام شديدة بيديه. لذلك تبرز الأهمية في تدريب الطفل الأعسر على كيفية تقليب الأوراق بشكل عكسي ليكون أكثر قدرة على الرؤية بشكل أفضل، كذلك أن تكون الطاولة التي يجلس عليها الطفل أكثر انخفاضا من باقي الأطفال لتحسين قدرته على الرؤية، بالإضافة إلى أن هناك تمارين معينة يجب تدريب الطفل عليها خلال الإمساك بالقلم، فيجب أن تكون هناك مسافة بين يد الطفل وسن القلم حتى يستطيع الرؤية بشكل سليم، وفي حالة ارتباط المقعد بالطاولة، فيجب أن يكون ناحية اليسار عكس مقعد الأطفال الذين يستخدمون اليد اليسرى”.
وقد أوضح أطباء المخ والأعصاب، أن ميزة الشخص الأعسر العصبية هي أن النصف النشط من مخه يكون النصف الأيمن، والذي تتواجد به أيضا مراكز الإدراك المكاني والأبعاد، مما يؤهل الشخص الأعسر لأداء بعض الأنشطة بشكل أفضل.
معاناة مستخدمي اليد اليسرى
يعاني أصحاب اليد اليسرى من عدة أشياء بعضها يتعلق بالثقافة العامة وبعضها يتعلق باستخدام الأشياء والأدوات والبرامج فعلى سبيل المثال كانت تعتبر المصافحة باليد اليسرى تنم عن قلة احترام، كما ارتبط مستخدمي اليد اليسرى بالسحر. كما يعاني الطلاب مستخدمي اليد اليسرى في المقاعد الدراسية المصممة للكتابة من الناحية اليمنى، ويعاني سائقو السيارات في معظم بلدان العالم من تصميم عدد من تصميمها بحيث تناسب مستخدمي اليد اليمنى، وكذلك بعد الأكواب المصممة للحمل باليد اليمنى، وأدوات المطبخ مثل المقص وأداة فتح العلب، والمساطر التي تكون مصممة للاستخدام باليد اليمنى، ومقابض الأبواب، وغيره.
من جانبه نشر موقع الصحة “The Healthy” تقريرا جاء فيه أن أصحاب اليد اليسرى قد يعانون من مخاطر صحية وأمراض ومخاوف مثل القلق وسرطان الثدي، كما بينت أن مستخدمي اليد اليسرى ترتفع نسبة تعرضهم للحوادث، كما أظهرت دراسات أن الأفراد الذين يتم استخدامهم لليسار هم أكثر عرضة لخطر الإصابة ببعض الحالات المزمنة وحتى الموت المبكر.
ويعاني أصحاب اليد اليسرى من احتمالات إصابتهم بالاضطرابات الذهنية والنفسية الخطيرة، فقد أجرت جامعة بيل عام 2013 دراسة حول مدى سلامة المرضى في مستشفى الصحة العقلية فوجد الباحثون أن 40% من مرضى الفصام يكتبون بأيديهم اليسرى مقابل 10% فقط من السكان، كما يرتبط الشخص الأعسر بصعوبة القراءة ونقص الانتباه وفرط النشاط.
ونشرت المجلة البريطانية للسرطان تقريراً جاء فيه أن الباحثين اكتشفوا أن أصحاب اليد اليسرى معرضون بشكل أكبر للإصابة بسرطان الثدي خاصة مع انقطاع الطمث بشكل أكبر من أصحاب اليد اليمنى، كما كشفت دراسة من الكلية الأمريكية لأطباء الصدر أن اليد اليسرى أكثر عرضة للإصابة باضطراب حركة الأطراف، ويتسم هذا الاضطراب بالرجوع اللاإرادي للذراعين والساقين أثناء النوم.
