ذات صلة

آخر المقالات

أغلى زفاف في التاريخ

احتفالات أغلى زفاف في التاريخ لعريس وعروس ينتميان لأثرى عائلات الهند وآسيا، تقام في مدينة جامنغار الهندية.

ثورة الفلاحين تشعل أوروبا

غضب الفلاحين يصيب القارة العجوز، ويحدث فوضى عارمة في معظم بلدانها، إذ يطالب الفلاحون تخفيض أسعار الوقود والأسمدة ودعم المنتجات المحلية ووضع حدٍّ للظلم الذي يتعرضون له من الاتحاد الأوروبي.

أو جي سيمبسون – محاكمة القرن (الجزء الثاني)

كيفاش نجا أو جي سيمبسون نجم من نجوم كرة القدم الأمريكية من عقاب الجريمة البشعة اللي كايضن البعض حتى الآن أنه ارتكبها؟

“برابو سوبيانتو” رجل عدواني أم جد محبوب؟

برابوو سوبيانتو" اسم لطالما أرعب الإندونيسيين في مرحلة ما من تاريخ بلادهم، لكن على ما يبدو أن الأمور تغيرت، فالآن بات شخصية لطيفة محبوبة يعشقها الجميع.

غزو إسرائيل لرفح يثير مخاوف العالم

الاجتياح البري لمدينة رفح جنوبي قطاع غزة هو قرار تستعد القوات الإسرائيلية لتنفيذه خلال الأيام المقبلة.

كيف مثلت فرشاة فريدا كاهلو الهوية والموت والحياة؟

حرر بواسطة:

​​”لم يسبق لي أن رسمت أحلامًا أبدا، أنا أرسم الواقع الذي أعيشه”، هكذا كان رد الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو حازما عندما سميت بالسريالية. لا سيما وأن عملها الذي يبدو أنه يصطدم بكلا العالمين السريالي والواقعي السحري، يجمع بين النطاقات المتباينة للخيال والواقع، الأساطير والعقلانية. وكثيرا ما تتضمن أعمالها الفنية الذاتية، التداخل الشخصي والوطني والسياسي، انتصارا لهويتها التي لا تأبى إلا أن تجد لها تمثلا في لوحاتها الفنية.  

​فريدا كاهلو من كبريات الفنانات التي أطلقت العنان لفرشاتها حتى تتحدث بلسانها. وتكشف عن المآسي والآلام التي عانت منها في مختلف مراحل حياتها. وذلك من خلال توظيف الرمزية البصرية للتعبير عن الألم الجسدي، في محاولة طويلة الأمد لتمثيل المعاناة العاطفية بشكل أعمق.  

​وصحيح أن لغة الخسارة والموت والهوية والمعاناة قد تم الإبداع فيها فنيا بشكل جيد من قبل بعض الفنانين الذكور (بما في ذلك ألبريشت دورر وفرانسيسكو غويا وإدوارد مونش)، ولكن لم يسبق لامرأة قط التعبير عنها بالطريقة التي أبدعت بها فريدا كاهلو. 

​حياة فريدا كاهلو … عبقرية من رحم المعاناة

اعتبرت فريدا كاهلو أهم فنانة في القرن العشرين على صعيد الأمريكيتين
اعتبرت فريدا كاهلو أهم فنانة في القرن العشرين على صعيد الأمريكيتين

ماجدالينا كارمن فريدا كاهلو إي كالديرون”، ولدت في 6 يوليوز 1907، في كويواكان بالمكسيك، كان والدها ويلهلم (المعروف أيضًا باسم غييرمو)، مصورًا ألمانيًا هاجر إلى المكسيك حيث التقى والدتها ماتيلدا وتزوجها. 

​في سن السادسة تقريبًا، أصيبت كاهلو بشلل الأطفال مما جعلها طريحة الفراش لمدة تسعة أشهر. وفي عام 1922، التحقت فريدا بالمدرسة الإعدادية الوطنية الشهيرة. حيث كانت واحدة من الطالبات القليلات اللواتي التحقن بالمدرسة. وبينما كانت ترافق مجموعة من الطلاب ذوي التفكير المماثل سياسياً وفكرياً، أصبحت كاهلو ناشطة سياسية وانضمت إلى رابطة الشباب الشيوعي والحزب الشيوعي المكسيكي. 

​لم يكن الشلل المأساة الوحيدة التي أجبرت فريدا على التعايش معها. ففي 17 سبتمبر 1925، وبينما هي عائدة مع صديقها من المدرسة على متن الحافلة، حدث اصطدام بين الحافلة وعربة “الترام”. وتعرضت كاهلو لإصابة بليغة حيث اخترقت إحدى القطع الحديدية فخذها، وأصيبت بكسور في عمودها الفقري وحوضها. بعد نجاتها بأعجوبة، مكثت في مستشفى الصليب الأحمر في مكسيكو سيتي لعدة أسابيع، ثم عادت إلى منزلها لتتعافى. وقتها بدأت الرسم وهي على سريرها، حيث حاولت أمها بشتى الطرق أن تريحها وتمدها بالسعادة. فوفرت لها سريرًا متحركًا ومرآةً ضخمة في سقف غرفتها، وكانت فريدا ترى وجهها طوال الوقت، فبدأت في استخدام ريشة الرسم والألوان وشرعت في العمل على أول بورتريه لها، فأصبحت شغوفةً بالرسم رغم عدم دراسته أكاديميًا. 

​دخلت فريدا في علاقة مع الفنان التشكيلي دييجو عام 1928، وتزوجا في 1929 رغم أنه كان يكبرها بعشرين عامًا. لكنه أحبها وشجعها على عملها الفني كثيرًا. كان دييجو كثير التنقل، ففي 1930 عاش الزوجان في سان فرانسيسكو الأمريكية. وهناك عرض لوحتها في المعرض السنوي السادس لجمعية سان فرانسيسكو للنساء الفنانات. 

​عاد الزوجان إلى المكسيك عام 1933، تأزمت الأوضاع ووضع الزوجان حدا لزواجهما. وانتقلت كاهلو للعيش في باريس لفترةٍ من الزمن سنة 1939، حيث عرضت هناك بعضا من لوحاتها وصادقت العديد من الرسامين. ومن ضمنهم الرسام الشهير بابلو بيكاسو. وعاشت ما تبقى من حياتها في رحاب الفن التشكيلي والإبداع الزاخر والأيقوني، إلى أن أصيبت سنة 1950 بالغرغرينا في قدمها اليمنى، مما أدى إلى بترها، ليتم العثور عليها ميتة في منزلها بسبب انسداد رئوي، والذي يشتبه في كونه انتحارا. 

​التمثل الهوياتي في لوحات فريدا

تعبر كاهلو في هذه اللوحة عن معاداة الإمبريالية و المادية
تعبر كاهلو في هذه اللوحة عن معاداة الإمبريالية و المادية

اعتبرت فريدا كاهلو أهم فنانة في القرن العشرين على صعيد الأمريكيتين. كما تم الإجماع على كونها أعظم فنانة في المكسيك. وذلك حينما اعترفت الحكومة المكسيكية بكون عملها الفني هو بمثابة إرث وطني في عام 1984. 

​كانت فريدا كاهلو راديكالية في نقل حياتها ومعاناتها. وبالموازاة مع ذلك، طالما ساءل فنها الأوضاع السياسية والثقافية المعاصرة للمكسيك، بطريقة تكاد تكون بسيطة إلى حد التعجب. فتمثيلها لهويتها وانتمائها ووضعها مما تعيشه المكسيك، صاغته انطلاقا من صورتها الشخصية وملامحها اللاتينية البديهية. فشعرها الأسود المظفور أعلى الرأس، وحواجبها المميزة المتلاقية، وزيها المزركش بالألوان الصاخبة، هو التجسيد الحقيقي لهويتها كمسيكية الأصل. 

مع اندلاع الانتفاضة الشعبية للثورة المكسيكية عام 1920، تأججت نار التوترات السياسية مع التطورات المستمرة للتكنولوجيا والرأسمالية، التي جاءت بها الولايات المتحدة. وأضحى البلد مقسم جغرافيًا وثقافيًا. في مقابل ذلك، انتفض المكسيكيون وتمسكوا بجذورهم بوصفهم السكان الأصليين لأمريكا “الأزتيك”. وهو ما تضمنه فن فريدا كاهلو بطريقة جريئة. حيث تُظهر العديد من لوحات كاهلو معاداة الإمبريالية والمادية، وبشكل أكثر تحديدًا، مناهضة الولايات المتحدة. 

​الموت … بوابة إلى عوالم أخرى

تكشف هذه اللوحة عن استعداد كاهلو المسبق للموت و الاستسلام لهشاشتها الجسدية
تكشف هذه اللوحة عن استعداد كاهلو المسبق للموت و الاستسلام لهشاشتها الجسدية

إصابتها بالشلل في سن مبكرة. مكوثها في البيت طريحة الفراش بسبب حادثة السير المفجعة التي تعرضت لها. ضعفها ووهن جسمها بسبب الأمراض المتعاقبة… هي كلها عوامل وظروف صعبة، جعلت فريدا كاهلو تتقبل نوعا ما فكرة الموت وتؤمن بها. ولعل هذا جلي في لوحتها تحت عنوان “التفكير في الموت” سنة 1943. حيث نلاحظ صورتها وهي تحدق بلا تردد، مع وجود خلفية من أوراق الشجر الخضراء، بينما يتوسط جبهتها فوق الحاجبين الكثيفين الداكنين مباشرة ثقب دائري، يوجد داخله منظر ريفي تهيمن عليه جمجمة وعظمتان متقاطعتان. الوجه لا يخاف ولا يأس، إنه هادئ. يبدو وكأنها تقول أنه إذا كان من المحتم عليها قبول الموت والمعاناة كجزء طبيعي من الحياة، فإنها جاهزة تماما للقيام بذاك. إنها واحدة من البورتريهات العديدة التي تكشف دون شك استعدادها المسبق للموت والاستسلام لهشاشتها الجسدية، إنه دليل على شجاعتها في مواجهة جوهر الوجود: الموت. 

​إبداع ممزوج بالمشقة

توثق هذه اللوحة اللحظة التي شعرت فيها كاهلو بالضعف و الوهن
توثق هذه اللوحة اللحظة التي شعرت فيها كاهلو بالضعف و الوهن

“الأقدام؟ وما حاجتي لها إذا كان لي جناحان أحلق بهما”. “عندما يتضح لك أنه لا يمكن تحقيق أهدافك فلا تقم بتعديل تلك الأهداف، بل عدِّل من خطواتك التى تأخذك إليها”. “لا تترك أشعة الشمس تسقط فى بؤرة الغروب إلا وقد حققت شيئًا من يومك”. “بكيت قهرًا لأننى لا أمتلك حذاء يناسب إعاقتى ثم قابلت رجلا لم يكن له أقدام”. “أنا لا أرسم الأحلام أو الكوابيس أنا أرسم واقعي”. “في نهاية القصة نجد أننا نتحمل أكثر مما نعتقد تحمل”. 

​هي كلها كلمات تفوهت بها فريدا ليس اعتباطا. ولكنها نابعة من روح الصبر والتجلد والمقاومة والكفاح. “يولد الإبداع من رحم المعاناة”، هذا ملخص حياة فريدا كاهلو، التي قاست مر الحياة بداية من الآلام الجسدية إلى الآلام النفسية. 

​كيف لا وقد عانت في مختلف مراحل حياتها، في طفولتها حينما شخصت بشلل مبكر وكانت لا تقوى على الحراك، ثم تعرضها وهي في عمر الثامنة عشر لحادث حافلة، حيث كان لهذا الحادث بالتحديد الأثر البالغ في حياتها، فقد وضع الطبيب العديد من الجبائر على جسدها مما أفقدها القدرة على الحركة. وعلى إثره اضطرت إلى الاستلقاء على ظهرها دون حراك طيلة ثلاثة أشهر، وكانت والدتها تهتم بها ووضعت لها مرآة ضخمة على سقف الغرفة لتتمكن من رؤية نفسها. ما فعلته والدتها ربما لم يكن مقصودا، لكن بعد فترة من تحديق فريدا بنفسها على مدار عدة أيام، طلبت من والدها ريشة وألوانا وأوراقا لترسم. وأمنت لها والدتها منصبا حاملا للوحاتها ليتلاءم مع وضعها، هكذا اكتشفت حبها وشغفها بالرسم، جاعلة منه نشاطها اليومي. 

​فاستطاعت عبر لوحاتها أن تجعل المتلقي يرى الألم أرضا واقعية. حيا قبيحا قاتلا ومعوقا. وما لوحة “بدون أمل” إلا توثيق للحظة التي شعرت فيها كاهلو بالضعف والوهن حقا: فقد أدى نقص الشهية بسبب العمليات الجراحية إلى نقص التغذية، لذلك كان عليها اتباع نظام غذائي صارم. وفي اللوحة ذاتها نلاحظ الفنانة وهي محاصرة في سريرها تبكي، ويبدو أن الطعام يدخل ويخرج من جسدها في نفس الوقت، وهي تحدق مباشرة وكأنها تطلب المساعدة. 

حرر بواسطة:

  • حفصة المخلص

    صحافية، محررة وباحثة في سلك الماستر
    سلا، المغرب
    المعهد العالي للإعلام والاتصال (الرباط، المغرب) – إجازة في الصحافة (2021)


    حفصة المخلص، محررة وطالبة باحثة في سلك الماستر ومحللة سينمائية. شغوفة بالفنون والسينما، ومتعطشة للمعرفة بكل أصنافها، راكمت تجربة مميزة بعد إجراء عدد من التداريب.
    اشتغلت حفصة المخلص كمحررة مع منصة سكرين ميكس العربية المتخصصة في المحتوى الترفيهي والثقافي لمدة سنة. كما عملت كصحفية متدربة في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بالرباط، وجريدة الاتحاد الاشتراكي بالدار البيضاء - المغرب، ومسؤولة متدربة في إدارة وصناعة المحتوى والتواصل الرقمي في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات ببن جرير - المغرب.