من المعروف أن هناك العديد من الأشخاص الذين يشعرون بالاستفزاز من أصوات الهمس أو الأكل، ويمتعضون من تجاوز مسافتهم الشخصية والتحدث بشكل حميمي في آذانهم، لكن ليس بعد الآن.
أصبح آلاف الأشخاص بل الملايين منهم، يبحثون بشكل شبه يومي بعد يوم متعب، عن مقاطع فيديو يدعون أنها تساعدهم على الاسترخاء وتصفية الذهن. ودعني أؤكد لك أن هذه المقاطع ليست عبارة عن مقطوعات كلاسيكية أو أصوات أمواج البحر الطبيعية. بل هي وشوشات بشرية، نقر على الأسطح، أنفاس، وأصوات أكل عالية…
قد تندهش من هذا، لكن محبي هذا النوع المستجد من الفيديوهات، الذي يطلق عليه رسميا ب «إيه إس إم آر» (ASMR)، أو «إيسمار»، يستمتعون ب”النشوة الدماغية” التي يحصلون عليها إزاء مشاهدتهم لهذه الفيديوهات. وخوضهم تجربة حسية تنقلهم إلى عالم آخر وتخلصهم من الضغط والتوتر.
ما هو “ASMR” ؟
ASMR هي حالة عاطفية وشعور حسي معقد يختبره بعض الأشخاص فقط عندما يسمعون ويرون ويشعرون بـمحفزات معينة، مثل الهمس وحركات اليد الرقيقة واللمسة الخفيفة. يوصف الشعور بأنه إحساس بالوخز يبدأ في قمة الرأس، ويمكن أن ينتشر إلى أسفل العنق والأطراف. يأتي الإحساس بالوخز على شكل موجات. وهو حالة غامرة تشبه “النشوة” مصحوبة بمشاعر الاسترخاء واللذة الحسية.
بدأت ظاهرة ASMR تستفحل خلال السنوات العشر الماضية، منذ صياغة المصطلح. حيث كانت انطلاقته عبارة عن مقطع فيديو قصير يتضمن همسا، لينشر على موقع يوتيوب في عام 2009. ويتحول إلى ممارسة انتشرت كفيروس على نطاق واسع. إذ يحظى ما يسمى بـ “ASMRtists” أو “فناني الإيسمار”، بملايين المشاهدات على مقاطع الفيديو الخاصة بهم، التي يسخرون فيها جهدهم ووقتهم للوشوشة أو النقر أو الهمس.
تقنية النشوة الدماغية وعلاقتها بالصحة النفسية
لا يخوض الجميع تجربة ASMR بشكل مماثل، كما لا تترك نفس الآثار لدى الكل، وذلك راجع إلى اختلاف نوعية المحفزات. بينما قد يحقق البعض تجربة النشوة الدماغية بعد التعرض لمحفز الهمس، قد يجد البعض الآخر ضالته في محفزات أخرى، والتي تتمثل في:
- التحدث بهدوء أو التحرك ببطء.
- النقر أو الكتابة.
- الاهتمام الشخصي الوثيق أو الاتصال بالعين.
- تدليك أو تمشيط الشعر أو قص الشعر.
- قلب الصفحة ببطء أو طي الورق.
- أصوات الخدش.
- أصوات السحق أو الطحن.
- وضع المكياج على الوجه.
تقنية النشوة الدماغية وعلاقتها بالصحة النفسية
بينما يتزايد الاهتمام البحثي بهذه الظاهرة، لا تزال هناك الكثير من الأشياء المثيرة للاستكشاف حول ASMR. على سبيل المثال، قد يطرح العديد منا هذا السؤال: لماذا يستجيب البعض لهذه التجربة ويدخل في دهاليزها وينسجم معها، والبعض الآخر لا؟ هل يمكن أن يرشدنا فهم سمات الشخصية إلى استيعاب العلاقة بين ASMR والآثار النفسية الفعلية التي يسببها للبعض؟ وهل يمكن اعتبار ASMR تدخلا علاجيا محتملا؟
تشير الأدبيات الناشئة في الدراسات البسيكولوجية المتعلقة بASMR إلى أن الأشخاص الذين ينسجمون بسهولة للتجربة الحسية يظهرون مستويات أعلى من العصابية. والعصابية هي سمة شخصية تُعرَّف عادةً على أنها ميل نحو الاكتئاب والشك الذاتي والمشاعر السلبية الأخرى. ترتبط العصابية أيضًا بالميل إلى الإصابة بحالات عاطفية سلبية مثل القلق.
في هذا الصدد تشرح سادي بينغهام، أخصائية اجتماعية إكلينيكية متخصصة في القلق وتقديم العلاج في Gig Harbour، بواشنطن: “تجربة ASMR توفر إحساسًا بالهدوء والرفاهية”.
ووفقًا لأبحاث أجري عام 2015، تبين أن بعض الأشخاص يجدون أن تجربة ASMR تساعد في تخفيف أعراض المزاج السلبي. بما في ذلك الشعور بالاكتئاب أو التوتر. يبدو أيضًا أنه يساعد في تقليل الألم المزمن لبعض الأشخاص. كما توصلت أبحاث أخرى في عام 2018 إلى أدلة تشير إلى أن مشاهدة مقاطع فيديو ASMR يمكن أن تبطئ معدل ضربات القلب، مما يؤدي إلى حالة من الاسترخاء والهدوء. ولاحظ مشرفو الدراسة أن العديد من المشاهدين أبلغوا أيضًا عن شعور متزايد بالارتباط بالآخرين. مما قد يكون له تأثير إيجابي على الرفاهية العامة.
اهتمام كبير ومتزايد وأرباح ضخمة من خلال ASMR
يتعرف الملايين من الأشخاص يوميا على ظاهرة ASMR بفضل بعض صانعي المحتوى المشهورين على منصة YouTube. كما ارتفعت شعبيته بشكل كبير ومهول. إذ يوجد حاليًا 13 مليون مقطع فيديو ASMR على يوتيوب. بالإضافة إلى ذلك، ينضم المزيد والمزيد من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي إلى مضمار ASMR ويتفننون في إنتاج محتويات فريدة وجديدة.
“جيبي ايسمار Gibi ASMR” هي أحدى نشطاء YouTube المشهورين المتخصصين في مقاطع فيديو ASMR. والتي يشترك في قناتها أزيد من ثلاثة ملايين، تحكي تجربتها الشخصية بدءا من اكتشافها ASMR لأول مرة، حين كانت تلميذة في السلك الثانوي، آنذاك استخدمت “إيسمار” لمساعدتها على النوم وتخفيف القلق. فقررت بعدها إنشاء قناتها الخاصة خلال فصل الصيف الموالي.
يطول الحديث عن تقنية ASMR التي يراها البعض وسيلة مثالية للهروب من ضجيج الحياة الصاخبة وملاذا للراحة النفسية. في حين يراها البعض واحدة من الاختراعات المزعجة التي تكاد تجرد البشر من إنسانيته وطبيعته.