هي زينة الدنيا في عصرها، فاتنة الأمراء في زمانها، هي الحسناء الفاتنة. فاقت الرجال بعقلها الرزين ورأيها المتين وذكائها الحاد، ونظرتها المستقبلية الثاقبة.
ذاع صيتها في مختلف أنحاء المعمورة، حتى تغنى بها شعراء المغرب الأقصى. طمحت، حققت، ودخلت التاريخ من أوسع أبوابه. فمن تكون هذه الأمازيغية فاتنة الأمراء وسالبة القلوب؟
نشأة ابنة نفزاوة
هي زينب بنت إسحاق الهواري المعروفة بزينب النفزاوية. تنحدر من أسرة ثرية من قبيلة نفزة أو نفزاوة الأمازيغية المتواجدة في منطقة إفريقية، ولاية باجة التونسية حاليا.
كان والدها إسحاق الهواري من كبار التجار آنذاك، وكان صاحب رفعة ووجاهة. وبسبب الأحداث التي شهدتها القيروان، جراء تعرضها لهجوم من قبائل البدو والأعراب، هاجر إلى منطقة أغمات، ضواحي مراكش حاليا، بحثا عن الأمان لينعم بهدوء أغمات المريح، حيث وجد أرض خصبة زرع فيها شجرة عائلته.
شاع ذكر زينب النفزاوية في قبائل الصامدة وغيرها، حيث كانت ذات جمال أخاذ وثقافة وفطنة. تصفها كتب التاريخ بأنها حسناء زمانها وآية في البهاء، سحرت الألباب وأسرت الأفئدة وفتنت الأمراء.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى اشتهرت حسناء أغمات بقوة شخصيتها، فهي عرفت بشخصية حازمة ولبيبة، وذات عقل رزين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور. كما كانت شخصيتها تبعث على الارتياح خاصة أنها كانت مولوعة بالأزهار والأعشاب، حتى وصفها نساء زمانها بالساحرة الكاهنة.
حسناء أغمات … زوجة الملوك والأمراء
كانت النفزاوية من أجمل فتيات مدينتها، ما جعل الرجال يتنافسون على خطبتها والظفر برطب وجدانها. لكنها كانت طموحة لأبعد الحدود وترفض من يتقدم إليها. وتقول “لن يتزوجني إلا من يحكم المغرب”. على هذا الأساس كان سكان أغمات يرمونها بالحمق، ويصفونها بالمشعوذة وتوظف الجن لخدمة مصالحها كما سلف الذكر.
تتضارب الروايات التاريخية حول زواج زينب النفزاوية الأول. لكن، وبالرجوع إلى تقرير لمجلة دعوة الحق الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية. نجد أنها كانت زوجة أحد خصوم الدولة المرابطية. وهو لقوط المغراوي من أمراء بني يفرن. وبزواجها منه تكون قد حققت جزءا من طموحها. لكن فرحة النفزاوية لم تدم طويلا بعد وفاة زوجها على يد عبد الله بن ياسين مؤسس الدولة المرابطية، في صراعات خرج منها اللقوط جثة هامدة.
مع اكتساح المرابطين للمغرب، وصل نفوذهم إلى مدينة أغمات وحاصروها حصارا شديدا. وبعد صمود طويل، استسلم اللقوط وسلم المدينة إليهم وفر إلى منطقة تادلة. لكنهم استطاعوا الظفر به وقتله.
وبعدما سمع عنها القائد الأعلى للمرابطين آنذاك، الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني. الذي خلف مؤسس الدولة المرابطية عبد الله بن ياسين. خطبها وتزوجها، ولم يستمر هذا الزواج إلا ثلاثة أشهر. هذا بعد أن وصلته أنباء عن تمرد بعض القبائل في الصحراء. ما اضطره إلى التوجه صوبها لإعادة الأمور إلى نصابها.
وولى مكانه ابن عمه يوسف بن تاشفين، وقبل رحيله خاطبها قائلا: ” يازينب إني ذاهب إلى الصحراء وأنت امرأة جميلة بضة، لا طاقة لك على حرارتها وإني مطلقك. فإن انقذت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين فهو خليفتي على بلاد المغرب”.
وبعد طلاقها من أبو بكر بن عمر اللمتوني، قيل إنه قال لابن عمه يوسف بن تاشفين “تزوجها فإنها امرأة مسعودة”. وبالفعل، وبعد انقضاء عدتها تزوجها يوسف، زوجها الرابع والأخير، هذا الزواج حقق لها الحب والمجد في الآن نفسه.
زوجة بن تاشفين ومستشارته
بعد زواجها من آخر أزواجها وأب أبنائها، كان لزينب دور مهم في حياة يوسف بن تاشفين، حيث كان يستشيرها في كل الأمور ويأخذ برأيها وكلامها، نظرا للخبرة السياسيةالتي راكمتها من أزواجها السابقين وكذلك من والدها إسحاق.
بعدما تربع بن تاشفين على عرش المغرب، بدأ في التوسع بشكل كبير في غرب إفريقيا. حيث تمكن من توحيد المغرب واخضاع العديد من القبائل تحت رايته واستمر في تشييد مدينة مراكش التي أسسها أبو بكر من قبله. وقيل إن يوسف أهدى المدينة الحمراء مراكش كصداق لزينب.
طيلة تلك الفترة، كانت زوجته زينب النفزاوية خير سند له. إذ لم تقدم له المشورة السياسية فقط، بل أعطته من مالها وشجعته على الفتوحات وعلى تأسيس جيش خاص به، حتى استطاع أن يثبت أقدامه في مقعد الحكم.
عودة أبو بكر اللمتوني
بعد أن تمكن أبو بكر بن عمر اللمتوني من إخماد نار الفتن في الصحراء واستطاع أن يعيد لها السلم والأمان، قرر العودة إلى بلاد المغرب. وهو ما لم يكن في الحسبان.
رجوع اللمتوني وزرع في نفس يوسف بن تاشفين الخوف، وصعب عليه مفارقة الحكم بعد أن ذاق حلاوته. خاصة بعد أن استقر أمر الدولة ورضي به العامة. ولأن النفزاوية أرادت أن يظل زوجها متربعا على عرش الحكم، ألهمت طريقة التعامل مع اللمتوني دون سفك الدماء.
فقالت له أن يتجنب مواجهة ابن عمه العائد لحكمه وأن يتحلى بخلق التواضع. ونصحته أن يسلم عليه وهو فوق فرسه، ويظهر له النخوة والأنفة غير التي تركه فيها ابن عمه. وأيضا نصحته بأن يجامله ببعض الهدايا.
وبالفعل عمل بن تاشفين بنصائح زوجته زينب، وخرج يوسف للقاء ابن عمه ابو بكر اللمتوني في الحدود، بحشد كبير وجيوش عظيمة ومنظمة.
فبعد أن رأى اللمتوني استقرار أمور الدولة في يد بن تاشفين، وخضوع العامة لطاعته. قرر الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني التنازل عن عرش المغرب بشكل نهائي لابن عمه يوسف، والعودة إلى الصحراء وحمل لواء الجهاد وتوسيع دائرة الإسلام.
وبهذا تكون زينب النفزاوية قد جنبت المغرب حربا داخلية وتمكنت من تحقيق كل ما طمحت إليه.
تتضارب الأقاويل واختلفت المصادر في تحديد تاريخ وفاة حسناء أغمات، بين من رجح أن تاريخ وفاتها كان سنة 464 هجرية، وبين من قال إنها توفيت بعد ذلك بخمس سنوات بعد أن أنجبت ابنها الفضل. أما بعض المصادر الأخرى فقدرت تاريخ وفاتها سنة 472 للهجرة.
