يميل العديد من الناس للاستحمام بالماء الساخن لما له من فائدة في الشعور بالاسترخاء، لكن هل تعلم أن الاستحمام بالماء البارد له فوائد صحية ونفسية أكثر؟ وهل سبق أن سمعت بتقنية ويم هوف؟ وكيف تم ممارسة هذه التقنية بالمغرب؟ سنتعرف على أجوبة لكل هذه التساؤلات في هذا المقال.
“ويم هوف” ابتكار لرياضي هولندي
تقنية ويم هوف، هي طريقة مبتكرة من طرف الرياضي الهولندي الذي يحمل اسمها. عرف بتحقيقه ل21 رقما قياسيا مسجلة بموسوعة غينيس في الركض والماراثون والتعرض للطقس شديد البرودة.
ينفرد ويم هوف أو كما يسميه البعض “رجل الثلج The Ice Man“، بقدرته العالية في تحمل الجو البارد. إذ أجرى نصف ماراثون في الدائرة القطبية بفنلندا وهو عاري القدمين ويرتدي سروالا قصيرا فقط. كما أنه غاص 66 مترا تحت الجليد مع التحكم في جسده بطريقة تجعل الأكسجين يزيد في دمه. وتمكن أيضا من الوقوف في حاوية مغطاة بالثلج لفترة زمنية طويلة. فكيف يقوم بذلك؟
خطوات تقنية “ويم هوف”
تجمع طريقة ويم هوف ما بين التنفس العميق والعلاج بالماء البارد وكذلك الالتزام. وتساعدك هذه التقنية على التواصل مع جسمك بشكل أكبر. مما يضمن لك الاستنشاق القوي والزفير المريح وأيضا القدرة على حبس التنفس لفترات طويلة.
- تمارين التنفس: تقوم هذه التمارين على اعتماد استنشاق وزفير عميقين مع تتبع إيقاع معين. ويسمي هذا التمرين ب “فرط التنفس المتحكم فيه أو تنفس القوة”. وبمجرد ممارستك تقنية التنفس هاته فإنك تحفز طاقة كبيرة. كما أنها تساعدك في التأثير على جهازك العصبي وتغير الاستجابات الفيزيولوجية. مما سيمنحك قدرة أكبر ومرونة في التحكم ومجابهة التوتر اليومي والإحساسات السلبية.
- العلاج بالماء البارد: تعتبر هذه الخطوة من بين الخطوات الرئيسية في تقنية ويم هوف. حيث تعتمد على تعريض الجسم لدرجات حرارة باردة عن طريق الاستحمام بالماء البارد والخروج إلى حمامات الجليد. ويعتمد الأشخاص فيها تقنية التنفس لمساعدتهم على تحمل برودة الماء بشكل أفضل، مما يمنحك قوة جسدية أفضل من السابق.
- الالتزام: وهو الركيزة الأساسية للخطوات السابقة، إذ بدون التزام لا يمكن إتقان تمارين التنفس وتمارين العلاج بالماء البارد. ويتضمن الالتزام قوة الإرادة وضبط النفس اللذين يمثلان عاملين مهمين لحياة ناجحة وسعيدة.
تقنية ويم هوف بالمغرب
شارك معنا عثمان بن شقرون أخصائي العلاج بالتنويم المغناطيسي ومدرب هذه التقنية، رحلته الخاصة:
يحكي عثمان من خلال تصريحه لإيكوبوست، أن الحكاية بدأت ما بين سنتي 2016 و2017. وذلك بعد معاناته الشديدة مع عدة أمراض كالتهاب وألم المفاصل، مشاكل في السلائل الأنفية، والاكتئاب. أخبره أخوه بعد مشاهدته لبرنامج وثائقي حول تقنية ويم هوف، باتباع هذه الطريقة لما لها من فوائد جسدية ونفسية متعددة. لكن عثمان لم يستجب لنصيحة أخيه، خاصة بعد مشاهدته لعدة فيديوهات “ويم” حيث وصفه ب “الشخص الغريب”.
مع مرور الوقت وازدياد معاناته مع المرض، اتخذ عثمان قرار التغيير وباشر في البداية بتجربة الحمامات الباردة مع تقنية التنفس. حيث كان يستيقظ يوميا مع السادسة صباحا، ليأخذ حماما باردا مع التحكم في تنفسه، ليذهب بعد ذلك لممارسة الرياضة، ثم يتجهز فيما بعد للذهاب لعمله كمهندس بفرنسا.
استمر على هذا الروتين لمدة تتراوح بين أربعة وخمسة أشهر، ليستنتج أن هذا النظام الجديد غير حياته جسديا ونفسيا بشكل ملحوظ.
“الهندسة لم تعد تعني لي شيئا”
بدأ عثمان، سنة 2019، يشعر بنوع من الثقل عند ذهابه للعمل، وأن الهندسة لم تعد تعني له شيئا. كما أن البقاء لساعات طويلة خلف مكتب في جو روتيني لم يعد يتماشى مع طاقته. قرر إحداث تغيير آخر في حياته مستنيرا بنجاح التغيير الأول، والذي أعطاه دفعة قوية لخوض العديد من المغامرات وتعلم أشياء جديدة. فبدأ في دراسة العلاج بالتنويم المغناطيسي ومارسه لمدة معينة.
تزامنا مع مرحلة كوفيد 19 سنة 2020، قرر عثمان العودة بشكل نهائي للمغرب من أجل افتتاح مشروعه في التدريب والعلاج بالتنويم المغناطيسي، ليبدأ فصلا جديدا في حياته تاركا ورائه كل حياته السابقة.
أولى خطوات النجاح بالمغرب
افتتح عثمان مكتبه بمدينة الدار البيضاء وحقق نجاحا متميزا في هذا التخصص. كما أنه كان يقوم بورشات لتعلم التنفس بتقنيات متعددة من بينها تقنية ويم هوف “الرجل الغريب”.
سنة 2021، باشر أول تجربة لورشة الاستحمام بالماء البارد بمدينة مراكش، والتي حظيت بإقبال وإعجاب كبيرين من طرف زبنائه. الذين لازالوا على تواصل دائم معه إلى يومنا هذا. كما أن الاستحمام بالماء البارد أصبح روتينا بالنسبة لهم.
قرر عثمان بعد ذلك الذهاب لأكاديمية ويم هوف للقاء مبتكر التقنية شخصيا، حيث شارك معه في رحلة وصفها ب”الرائعة”. خلال فترة تواجده بالأكاديمية، استطاع جمع العديد من المعطيات والمعلومات حول التقنية. مما جعلهم يقترحون عليه أن يكون معلما لهذه التقنية بالمغرب. ليصبح بعد ذلك الشخص المعتمد الأول بالمغرب وشمال إفريقيا الذي يمارس ويقدم ورشات حول تقنية ويم هوف.
وشكل شهر أبريل 2022 تاريخ بداية تعليم هذه التقنية بشكل رسمي في المغرب، عن طريق ورشات حضورية وكذلك نشر فيديوهات تعليمية عبر منصة إنستغرام.
وبمجرد انطلاق ورشاته لقي عثمان بن شقرون إقبالا واسعا. أولا من طرف الأشخاص الذي يعرفون مسبقا هذه التقنية، وبعد ذلك اكتشفه أشخاص تعرفوا على التقنية عن طريقه وأرادوا خوض التجربة. من أبريل 2022 إلى أكتوبر 2022، قام 400 شخص بتجربة تقنية ويم هوف للحمامات الباردة. وهو رقم لا يستهان به ويشكل مفخرة لعثمان.
ترتكز الورشات التي يقوم بها عثمان على تعلم تقنية ويم هوف بشكل دقيق. وذلك انطلاقا من جلسة التنفس، تتبعها تجربة الحمام البارد مع الأخذ بنصائح عثمان حول كيفية التعرف والتحكم بمشاعر الخوف والبرد وتحويلها إلى مشاعر قوة. وختاما بطرق الالتزام من أجل نتائج جيدة على المدى البعيد.
منافع تقنية “ويم هوف”
تنقسم منافع تقنية ويم هوف إلى قسمين، منافع جسدية ومنافع على الصحة العقلية، تتجلى في:
المنافع الجسدية
- رفع مستوى الطاقة: يحظى الأشخاص الذين يعتمدون هذه التقنية بطاقة مرتفعة، حيث لاحظوا فرقا شاسعا في مستوى طاقتهم بمجرد خضوعهم لهذه التقنية، مما جعلهم يبتعدون عن أي شيء يهدرها.
- تعزيز الجهاز المناعي وعلاج الالتهابات: أظهرت الدراسات العلمية الحديثة، حسب ما تم نشره عبر الموقع لرسمي لأكاديمية “ويم هوف”، أن ممارسي هذه التقنية لديهم استجابة مناعية قوية ضد متسببات الأمراض، مقارنة بالأشخاص الذين لا يمارسونها. كما أنهم لاحظوا انخفاض مؤشر الالتهاب لدى البعض منهم. ويساهم التعرض للماء البارد في زيادة إنتاج الخلايا البيضاء، المعروفة بقدرتها على حماية الجسم من الأمراض.
- جودة النوم: يشعر الأشخاص الذين يمارسون هذه التقنية بتحسن كبير في جودة نومهم.
- التهاب المفاصل: تساعد تقنية ويم هوف في تقليل الأعراض المتعلقة بالتهاب المفاصل، وكذلك تخفيف الألم العضلي الليفي.
- تحسين نظام القلب والأوعية: تساعدنا التقنية ذاتها على تحسين نظام عمل القلب والأوعية الدموية. كما أنها تساعدنا على التقليل من حالات تصلب الشرايين وارتفاع الضغط.
المنافع النفسية:
- تقليل أعراض الاكتئاب: بمجرد ممارسة تقنية ويم هوف للماء البارد فإنك تحفز جسمك على إطلاق الإندروفين، الذي يعتبر مادة كيميائية طبيعية تشعرنا بالسعادة، وبالتالي تقل أعراض الاكتئاب.
- التعافي من الإرهاق النفسي: تمكن تقنية ويم هوف من التحكم في المعاناة والمشاكل اليومية، بحيث تساعدك على ضبط جهازك العصبي. وتستعيد طاقتك العقلية والجسدية للتعافي من الإرهاق النفسي.
- اتصال العقل بالجسم: ممارسة تقنية ويم هوف تقوي اتصال العقل بالجسم، مما يمنح توازنا في الحياة. ويشعر ممارسو هذه التقنية أنهم أقوى وأكثر سعادة، كما أنهم يلاحظون زيادة كبيرة في التركيز.
- الابتعاد عن كل ماهو سلبي: تساعد تقنية ويم هوف في الابتعاد عن المشاعر السلبية التي تستنزف طاقتك، وتستبدلها بطاقة إيجابية.
الأضرار الصحية لتقنية “ويم هوف”
يقول عثمان بن شقرون في هذا الصدد، أنه من الأفضل عدم تجربة تقنية ويم هوف من طرف الأشخاص في الحالات التالية:
- الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب الخطيرة.
- الأشخاص الذين يعانون من مرض الشريان الناجي.
- المرأة الحامل.
- الأشخاص الذين يعانون من ضغط مرضي، مما يعرضهم لدخول نوبة قلق كبيرة ويشكل خطرا على صحة القلب.
- الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصرع، إذ قد تتسبب لهم تقنية ويم هوف نوبة أثناء القيام بالحصة.
ويختم عثمان بن شقرون كلامه: “لطريقة ويم هوف فوائد صحية لا تعد ولا تحصى، كما أنها تقلص نسبة مرضك. لهذا لا ينصح بها للأشخاص الذي يفضلون شعور المرض والخمول، لأنها قادرة على تزويدك بطاقة عالية خيالية لا تتماشى مع طاقتك السلبية”.