لا طالما كانت المرأة المغربية شريكا أساسيا في تحقيق أهداف التنمية وتطوير المجتمع من خلال دورها الفعال في مختلف الحركات عبر أزمنة متتالية. وقد برز ذلك في مساهماتها المتميزة إلى جانب الرجل في حركة استقلال المغرب وتنمية المملكة. كما لعبت أدوارا قيادية في جميع المجالات، رغم الحواجز الرجعية التي تبغي عرقلة مسارها النضالي.
ودافعت المرأة المغربية عن حقوقها يدا واحدة. وطالبت دائما بإصلاح وضعيتها على مر حلقات التشريعات القانونية المغربية. فكيف كان استقبال المشرع المغربي لهذه المطالبات النسوية؟
حقوق المرأة المغربية بين الماضي والحاضر
برجوعنا إلى الوراء، نجد أن المرأة المغربية على غرار نظيراتها عبر العالم، ناضلت دائما من أجل حماية حقوقها وكانت تسعى لإيصال صوتها وتحقيق مطالبها لما تعرضت له من ظلم وقمع وانسياب لسطوة الأفكار الذكورية النمطية.
وكانت بدايات النصف الثاني من القرن العشرين بداية عصر أنوار جديد، حين أكد جلالة المغفور له محمد الخامس، على ضرورة ولوج المرأة المغربية للمدارس والجامعات، من أجل التعليم كحق مشروع لابد منه. ولم يكن هذا حدثا فجائيا، إذ كان الملك آنذاك دائم التشجيع للمرأة على التعليم والاطلاع بمهام عديدة مجتمعية، كما نادى أيضا بضرورة مشاركتها في تنمية بلدها وعدم حصر دورها في البيت فقط.
وحمل المشعل بعده، نجله المغفور له الحسن الثاني. حيث اتبع نفس المسار الذي يمكن المرأة من جل حقوقها.
“ولقد آمنت يا أبتاه بأنه لا يمكن أن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فأخرجت المرأة من عهد الجهل إلى عهد النور ولم تبق المرأة المغربية حليا يشترى، بل أصبحت تفاخر بالشهادات والتسابق إلى المعاهد والكليات”. هكذا عبر الملك الحسن الثاني بكلمات مؤثرة في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاة والده.
وتمثلت اهتمامات الملك الراحل الحسن الثاني، في تأسيس الاتحاد الوطني لنساء المغرب سنة 1969. وكان الهدف منه انخراط المرأة في تنمية بلدها، إضافة الى تأكيده على مشاركتها في المسيرة الخضراء حيث استفادت المرأة المغربية لأول مرة من الكوتا.
كما سطر المغفور له على ولوجها جميع المهن والوظائف وتوليها مختلف المناصب. وضمنها هذا الحق في دستور 1996، في فصله الخامس من خلال “جميع المغاربة متساوون”، وفي الفصل الثامن “الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية”. وعبر الفصل الثاني عشر أيضا: “لجميع المواطنين أن يتقلدوا الوظائف والمناصب العمومية وهم سواء فيما يرجع للشروط المطلوبة لنيلها”. فيما ينص الفصل الثالث عشر على “التربية والشغل حق المواطنين على السواء”.
وشرع الملك الحسن الثاني في إصلاح مدونة الأحوال الشخصية، وذلك استجابة لطلب وإلحاح فعاليات الحركات النسائية. إذ تم التركيز على تعديلات أساسية بداية بالطلاق. بحيث وضعت نقطة نهاية للطلاق الغيابي الذي كان يعطي الصلاحية للزوج لتطليق زوجته غيابيا والحصول على الحضانة. وأصبح الأب في المرتبة الثانية بعد الأم في ترتيب الحاضنين، بعد أن كان يحتل المرتبة السادسة قبل تعديل 1993. كما أصبح بالإمكان رفع دعوى استعجالية من أجل الحكم بالنفقة في مدة محددة.
حقبة الملك محمد السادس
يكاد يكون عبء حماية حقوق المرأة ميراثا يتوارثه السلاطين. إذ عمل الملك محمد السادس هو الآخر على تشجيع المرأة للحصول على حقوقها في جميع المجالات. ففي عهده ولجت المرأة المغربية مراكز القرار وحققت العديد من المكتسبات، أهمها على مستوى “مدونة الأسرة”.
في سنة 2004، أعلن الملك محمد السادس أثناء افتتاحه للدورة الجديدة للبرلمان عن قانون للأسرة يضمن للمرأة المغربية حقوقا جديدة.
ونص هذا القانون على رفع سن زواج المرأة من 15 سنة إلى 18 سنة، كما منع الطلاق الشفهي، في الوقت الذي يحمي فيه الطفل بالنسب في حالة عدم توثيق عقد الزوجية لأسباب قاهرة. كما فرض القانون الجديد شروطا جزرية لتعدد الزوجات والتطليق. إضافة الى النص على ضرورة الحصول على موافقة مسبقة من المحكمة للتطليق.
كما أصبح للمرأة الحق في أن تشترط عند الزواج تعهدا من زوجها بعدم الزواج من امرأة ثانية. وشمل القانون أيضا أن زواج الرجل من امرأة ثانية يبرر طلبها الطلاق بسبب ما تعرضت له من “ضرر”.
وأكد بأن يكون الطلاق “بموافقة الطرفين”، مع تقديم ضمانة جديدة للزوجات في حال الانفصال مع إمكانية إبرام عقد لتقاسم الممتلكات التي تم جمعها خلال سنوات الزواج. بالإضافة إلى نص “قانون الأسرة” على حقوق جديدة لحماية الأطفال وخصوصا حق الحضانة للمرأة والاعتراف بالأبوة للأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج، كما أولى هذا القانون دورا أكبر للقضاء…
موقع المرأة المغربية بعد دستور 2011
أعلن الملك محمد السادس بتاريخ 09 مارس 2011 إجراء تعديل دستوري شامل. وتولت لجنة خاصة، عينها الملك، مهمة تحرير مشروع الدستور الجديد. والذي تم تبنيه من خلال استفتاء بتاريخ 1 يوليوز 2011.
واستجاب الدستور الجديد لمجموعة من المطالب الملحة للمرأة المغربية وإن لم تكن جلها. والتي تظهر بين نصوصه، حيث إن أهم هذه التعديلات برزت على عدة مستويات.
المرأة المغربية و مدونة الأسرة
عرفت مدونة الأسرة تحولا كبيرا ساهم في النهوض بحقوق المرأة المغربية. إذ تم تغيير عدة ممارسات التي يمكن القول على أنها كانت مجحفة نوعا ما في حق المرأة المعاصرة. وفي نفس التعديل تم تتويج جهود سنوات من نضال مجموعة من النساء المغربيات اللواتي اتخذنه شعارا لهن.
وصارت الزوجة متساوية مع زوجها في السهر على رعاية الأسرة، خلافا لما كانت عليه المقتضيات السابقة.
كما تم التأكيد على المساواة بين الجنسين المحضونين في سن اختيار الحاضن في 15سنة لكل منهما، بدل 12سنة للبنت، و15 سنة للولد.
ونجد اختلافا بارزا فيما يخص الولاية في الزواج. إذ صارت حقا مشروعا للمرأة تمارسه الراشدة حسب مصلحتها. وعليه تم استبعاد مفهوم الوصاية في الولاية في الزواج بالنسبة للمرأة بعدما كان يشكل في المدونة سابقا شرطا من شروط صحة عقد الزواج.
تم الاستغناء أيضا عن مفهوم “طاعة الزوجة لزوجها” وعن “إشراف المرأة على البيت وتنظيم شؤونه”، وعن التمييز بين الحقوق والواجبات الخاصة “بالزوجة على الزوج”، وبـ “الزوج على الزوجة”، والتأكيد عوض ذلك على الحقوق المشتركة بين الطرفين…
المرأة المغربية ومدونة الشغل
أما على مستوى “مدونة الشغل”، فقد جاءت بمقتضيات قانونية مهمة أسست لحماية خاصة للطبقة العاملة بشكل عام، والأجيرة على وجه الخصوص. وأهم ما رسخته مدونة الشغل في هذا الصدد هو إقرار مبدأ المساواة بين الجنسين من حيث فرص الشغل. بالإضافة الى أن المشرع سهر على وضع مجموعة من الضوابط القانونية المرتبطة بتشغيل النساء، وذلك من خلال منع قيامهن ببعض الأعمال التي قد لا تتناسب مع بنيتهن الجسدية. كما نص على بعض القواعد المتعلقة بتشغيلهن ليلا، فيما تم ضمان حماية خاصة للأجيرة الحامل في هذه المرحلة وبعد وضع حملها…
المرأة المغربية ومدونة الانتخابات
ننتقل إلى “مدونة الانتخابات”، التي كانت هي الأخرى ضمن الإصلاحات التي جاء بها دستور 2011. ونظمت في قانون “43.15” الصادر بتاريخ 04 أبريل 2015. وركزت في فصلها الثالث على هوية الناخبين الذين يحق لهم المشـاركة فـي الانتخابات.
وتنص المدونة بشكل صريح على المساواة بين المواطنين ذكورا وإناثا، وفقا لشروط الأهلية المحددة مسبقا. كما نصت في مادتها 41 على تساوي المواطنين المغاربة إناثا وذكورا علـى حق الترشيح في الانتخابات. فتم تعديل المادة 41 بعد ذلك بتخفيض سن الترشيح إلى 21 سنة، علما أن في الباب الأول من المدونة المادة الثانية، ذكر أن المرأة “ناخبة” حالها حال الرجل، ولا يوجـد أي مانع يفقدها صفة الترشح للانتخابات كالرجل.
المرأة المغربية والجنسية الأصلية
بخلاف ما جاء به النص القديم فالجنسية المغربية كجنسية أصلية، المترتبة عن النسب أو البنوة، صارت تمنح لكل من ازداد من أب مغربي أو من أم مغربية سواء ازداد في المغرب أو خارجه، وبالتالي يعتبر مغربيا استنادا الى الفصل السادس من قانون الجنسية.
والملاحظ أن تعديل قانون الجنسية وضع حدا لمتاعب العديد من الأمهات المغربيات المتزوجات بالأجانب في علاقتهن بأبنائهن الذين كانوا لا يحملون الجنسية المغربية كجنسية أصلية.
وغير ذلك الكثير من التعديلات الرامية لحماية حقوق المرأة المغربية، كإشراكها بشكل أكبر في الشأن الديني، وأضحت تمثيلية المرأة وازنة داخل قبة البرلمان والحكومة. دون أن نغفل عن تمكين المرأة المغربية في عهد الملك محمد السادس، من ولوج مهنة العدول وكذا ولوج مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية…
هل استطاعت هذه التعديلات تحقيق الرضى للعنصر النسوي أم أن هناك دائما مطالب معلقة؟
رغم المكانة المتميزة التي احتلتها المرأة في المجتمع المغربي في السنين الأخيرة. إلا أن نضالها من أجل حقوقها الكاملة لا زال يصطدم اليوم بتحديات كثيرة.
وإن تجلت أبرز مكتسبات المرأة المغربية في إنصافها وإقرار مجموعة من الحقوق، فإن الحسم في جدل مسألة الإجهاض على سبيل المثال وصل إلى نفق مسدود.
أما فيما يخص القانون الجنائي وآخر تعديلاته المتعلقة بمحاربة العنف ضد النساء ومحاربة التحرش، فقد تم تنظيم قانون خاص بمحاربة العنف ضد النساء تحت رقم “103.13”، الذي يعتبر بمثابة مكسب. غير أنه لم يلب مطلب الحركة النسائية، ولم يكن قانونا شاملا يجرم جميع أنواع العنف. بحيث لم يستطع أن ينفذ إلى بنية وفلسفة القانون الجنائي الذي بقي محكوما بالعقلية الذكورية التقليدية.
ورغم الجهود المبذولة التي خرج بها القانون المغربي وخاصة فيما يخص حقوق المرأة. لا تزال عدة نساء في معاناة كبيرة من أجل إثبات حقوقهن والدفاع عنها.
ما هي المطالب والتغييرات القانونية الأكثر إلحاحا عند النساء في الوقت الراهن؟
حاورت “إيكوبوست” نخبة من النساء المغربيات من مختلف المدن المغربية، واللاتي طرح عليهن نفس التساؤل أعلاه، فكانت الإجابات كالتالي:
تقول كوثر المعروفي، أم حاضنة، وخريجة الدراسات الأساسية في القانون الخاص ومعلمة، أن الإجابة على هذا السؤال صعبة بعض الشيء. وذلك لما تعيشه النساء المغربيات من انتهاكات يومية على مستوى حقوقهن. حيث ترى أن التدابير والإجراءات الخاصة بمدونة الأسرة في شق النفقة تأخذ وقتا طويلا وصولا للحكم النهائي.
وتوضح: “ما دام الرجل يتوفر على عمل ودخل قار، فلماذا كل هذا الوقت من أجل الحكم لاقتطاع النفقة من ماله؟”. فيما تؤكد أن هذا الأمر بمثابة عائق للأم الحاضنة، التي تتخذ على عاتقها النفقة على أبنائها طول مدة انتظار تطبيق المساطر والحكم.
وتندد كوثر قائلة “هناك مجموعة من المواد القانونية التي تنتهك حقوق المرأة المغربية”، لا سيما عندما تحدثت عن الولاية الشرعية. إذ عبرت عن رغبتها الشديدة في أن تحصل الأم الحاضنة على المناصفة والتساوي مع الأب في ولاية أطفالهم. بعكس ما جاء به القانون المغربي والذي يعطي للرجل الولاية الكاملة لوحده. والتي تخول له الموافقة أو الرفض فيما يخص تنقلات أبنائه خاصة خارج المغرب. كما له حرية التحكم بانتقالات أبنائه من مدرسة إلى أخرى، وكذا فيما يتعلق بالأوراق القانونية. وهذا ما يجعل الأم في عجز تام من أجل اتخاذ القرارات المتعلقة بأبنائها.
أما الصحافية فاطمة الزهراء، فكان لها رأي آخر. إذ اعترفت بالمجهودات والتقدم الملموس في القوانين التي تخص المرأة وخصوصا في عهد الملك محمد السادس. وأكدت أنه يسعى في كل خطاباته على إظهار أهمية مكانة المرأة بالمغرب. وهذا ما جعل فاطمة الزهراء تتأمل خيرا في مراجعة بعض القوانين التي لازال يشوبها بعض الخرق، كزواج القاصرات مثلا الذي لا زلنا نشاهده إلا يومنا الحالي.
كما أشارت إلى أنه من غير المنصف أن تحرم الأم الحاضنة من حضانة أبنائها فقط إذا قررت الزواج. فهذا بمثابة سلب لحقها الشخصي في بناء حياة جديدة كما يفعل الرجل.
وتوضح فاطمة الزهراء أنها فخورة بما حققته النساء، خصوصا باحتكارهن لعدة مجالات خاصة في المجالات التي كان يتميز فيها الرجل سابقا. “أصبحنا نرى نساء تعملن بالحدادة، أو النجارة وهذا أمر مشرف”. لكن ما تريده فعلا كل امرأة هو التخلص من النظرة الدونية من طرف الرجال. ويجب أن يلجأ المشرع المغربي إلى العمل على إصلاح الخروقات القانونية التي تمس كرامة المرأة.
وتقول الأستاذة المحامية بهيئة السطات “سمية الناصري”: “في نظري، كي تستطيع النساء التمتع بحقوق متساوية مع الرجل، يجب تعديل مجموعة من القوانين أو إلغاؤها إذا كانت هذه الأخيرة تضر بالمرأة المغربية على مستوى جميع المجالات … ففي الشق الأسري، يجب إلغاء زواج القاصرات أو الحد منه على الأقل”.
كما شددت المتحدثة على وجوب تمديد مسطرة ثبوت الزوجية وذلك لحماية نساء البوادي اللواتي تزوجن بدون عقد، فيما يلزم تمديد المسطرة لحماية هذه الفئة. كما أكدت على ضرورة تصنيف جريمة الاغتصاب التي تصنف كجريمة تطال الأسرة والأدب. في حين هي جريمة يجب تصنيفها في خانة انتهاك حق السلامة الجسدية.
وترى “سارة أنوار” خريجة ماستر الوسائل البديلة لحل المنازعات، في هذا الصدد، أن المشرع المغربي رغم ما جاء به من إصلاحات على مستوى الدستور، إلا أنه أهمل كثيرا من النقط المهمة التي تسببت في هضم لبعض حقوق المرأة المغربية.
وعلى رأس هذه النقط، موضوع التعدد الذي علما أنه يتم بشروط أساسها توفر “المبرر الموضوعي الاستثنائي”، فهي ترى أن هذا الأخير يعمل لصالح الرجل أكثر ما هو منصف للطرفين معا.
وحسب المتحدثة، يقبل طلب الرجل للتعدد مباشرة دون مراعاة للمرأة أو حتى أخد موافقتها. بل وحتى في حالة رفضها تطبق في حقها مسطرة التطليق للشقاق والتي لا تستفيد فيها الزوجة من حقوقها الشخصية سوى نفقة الأطفال، وهذا فيه ظلم كبير في حق المرأة حيث يحتاج هذا النص إلى المراجعة.
فيما عبرت عن سخطها حول مسألة الوظيفة التي تعتريها النواقص رغم مبدأ المساواة المعتمد فيها. إذ ترى أن المشرع يجب أن يسطر بالعريض تحت مكامن الخلل. كالتحرش الذي تتعرض له الأجيرة بكثرة، و هنا تندد بإلزامية وضع عقوبات زجرية لحماية المرأة المغربية، ثم حظر عملها ليلا لما له من خطورة عليها.
كل هذه الآراء وأراء أخرى بهدف النهوض بحقوق المرأة وتمتعها فعلا بكل متطلباتها والتي في حال تحقيقها سيتغير مستقبل المرأة للأحسن. لكن ورغم كل هذه العوائق هذا فلازالت المرأة مؤمنة بقدرتها الكبيرة على وصول أعلى المراتب في عدة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.