تسببت الحرب العالمية الثانية في خسارة حياة أكثر من 100 مليون شخص حول العالم. كما يذكر أن اليابان دخلت غمار الحرب بمهاجمة إقليم منشوريا في عام 1931، وشنت حربًا بلا تردد مع الصين بغزو هذه الأخيرة عام 1937.
ومن بين كل الفظائع التي ارتكبتها الإمبراطورية اليابانية في حق الشعب الصيني خلال هذا الاحتلال الوحشي. لم تكن أي منها مريعة مثل ما حدث في عمليات الوحدة 731. تلك الحرب البيولوجية اليابانية التي توغلت في طريقها للإبادة الجماعية في حق الأسرى الذين تم احتجازهم. ومعاملتهم كفئران تجارب وحاضني للأمراض المتنقلة لعقود من الزمن.
تجارب الوحدة 731: اختبار قضمة الصقيع
اهتم يوشيمورا هيساتو، وهو عالم وظائف الأعضاء في الوحدة 731، بشكل خاص بظاهرة انخفاض درجة حرارة الجسم. وكجزء من دراسته حول إصابات الأصابع البشرية، قام هيساتو بشكل روتيني بغمر أطراف الأسرى في حوض من الماء المملوء بالثلج. واحتجزهم حتى تجمدت ذراعهم وتكوّنت طبقة من الجليد على جلودهم بشكل وحشي. ووفقًا لرواية أحد الشهود العيان، قيل إن الأصابع كانت تصدر صوتًا مثل لوح خشبي عندما كانت تضرب بعصا.
بعدها جرب هيساتو طرقًا مختلفة لإعادة تدفئة الأيادي المجمدة بسرعة. حيث كان في بعض الأحيان يصب الماء الساخن على اليد، وأحيانًا عن طريق الإمساك بها ووضعها بالقرب من نار مشتعلة. وأحيانًا أخرى عن طريق ترك يد الشخص دون علاج طوال الليل، لمعرفة المدة التي يستغرقها الذوبان.
تشريح الأسرى الواعين
تم إنشاء المخيم 731 في البداية كوحدة بحث، وذلك للتحقيق في آثار الأمراض والإصابات على القدرة القتالية للجنود المسلحين. بيد أن أحد عناصر الوحدة المسمى “ماروتا”، ذهب بهذا البحث أبعد قليلاً من الحدود المعتادة لأخلاقيات مهنة الطب. حيث كان يراقب تآكل المرضى الأحياء بأعراض الأمراض والإصابات الخطيرة.
في البداية، كان هؤلاء المرضى متطوعين من صفوف الجيش. ولكن عندما وصلت التجارب إلى حدود ما يمكن ملاحظته دون تدخل جراحي، ومع جفاف إمدادات المتطوعين، تحولت الوحدة إلى دراسات وحشية تجرى على أسرى الحرب الصينيين والمدنيين.
ومن بين الممارسات الشائعة في المخيم تشريح الأحياء. وذلك من خلال تشويه الأجساد البشرية دون تخدير، لدراسة عمليات النظم الحية. فحينما أصيب الآلاف من الرجال والنساء، معظمهم من الأسرى الشيوعيين الصينيين وكذلك الأطفال والمزارعين المسنين، بأمراض مثل الكوليرا والطاعون، أزيلت أعضائهم وهم غير مخدرين من أجل وضعها تحت الفحص الطبي. كما تم بتر أطرافهم وإعادة توصيلها بالجانب الآخر من الجسم، بينما تم سحق أطرافهم أو تجميدها، وقطع الدورة الدموية لملاحظة تقدم مرض الغرغرينا في أجسادهم. وبعد الانتهاء من العمليات المرعبة، عادةً ما يتم إطلاق النار على الأسرى أو قتلهم بالحقنة القاتلة، فيما كان البعض الآخر يدفن حيا.
اختبارات الأسلحة المرعبة
كانت فعالية الأسلحة المختلفة محل اهتمام كبير لدى الجيش الياباني. حيث قام المخيم بجمع الأسرى معًا في ميدان إطلاق النار. وتم قصفهم من نطاقات متفاوتة بأسلحة يابانية متعددة، مثل مسدس نامبو 8 ملم، وبنادق الحركة، والمدافع الرشاشة، والقنابل اليدوية. ثم كان يتم مقارنة أنماط الجروح وأعماق الاختراق على جثث الموتى والسجناء المحتضرين في أجواء أقل ما يقال عنها وحشية إلى درجة الجنون.
تمت دراسة فاعلية السيوف والسكاكين أيضًا بالطريقة نفسها. كما تم اختبار قاذفات اللهب على جلود الأسرى المغطاة والمكشوفة. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء غرف الغاز في مرافق الوحدة وكان يتم تعريض الأشخاص للغاز السام بشكل مريع. ليس هذا فقط، بل تم إلقاء الأشياء الثقيلة كذلك على الضحايا المقيدين لدراسة إصابات السحق، إلى جانب حبسهم وحرمانهم من الطعام والماء لمعرفة المدة التي يمكن للبشر أن يعيشوا بدونها، وسُمح للبعض منهم بشرب مياه البحر فقط.
الاغتصاب والحمل القسري
لم تسلم نسوة الوحدة من التعذيب بدورهن، فقد كانت الأسيرات في سن الإنجاب تُحمَّل بالقوة أحيانًا بحيث يمكن إجراء تجارب الأسلحة والصدمات عليهن. وبعد إصابتهن بأمراض مختلفة، أو التعرض للأسلحة الكيماوية، أو الإصابة بجروح رصاص، يتم دراسة آثارها على أجنتهن بشكل إجباري.
حرب الجرثومة البيولوجية على المدنيين الصينيين
كانت مجمل أبحاث الوحدة 731 داعمة لمهمتها الكبرى. والتي كانت تهدف بحلول عام 1939 إلى تطوير أسلحة دمار شامل مروعة لاستخدامها ضد السكان الصينيين، والقوات الأمريكية والسوفياتية فيما بعد.
تحقيقا لهذه الغاية، ضمت الوحدة 731 الآلاف من الأسرى في عدة منشآت عبر إقليم منشوريا. والتي احتلتها القوات الإمبراطورية لسنوات. كما أصيب نزلاء هذه المرافق بالعديد من أكثر مسببات الأمراض فتكًا التي عرفها العالم، مثل اليرسينيا الطاعونية، التي تسبب الطاعون الدبلي والالتهاب الرئوي، والتيفوس، والتي كان يأمل اليابانيون أن تنتشر من شخص إلى آخر بعد نشرها وإخلاء المناطق المتنازع عليها.
وذكر أحد أعضاء الوحدة 731 لاحقًا أن الأسرى المرضى للغاية والذين كانوا هالكين لا محالة، كان يتم وضعهم على لوح لسحب معظم الدم الذي يجري في عروقهم. وحينما يتوقف القلب عن الضخ، كان الضابط يصعد وهو يرتدي حذاءً جلديًا إلى الطاولة. ويقفز على صدر الضحية بقوة كبيرة ليسحق القفص الصدري الخاص به، حتى تندفع كمية أخرى من الدم.
وبعد بضع سنوات، عندما كانت الحرب تقترب من وضع أوزارها. خططت اليابان لقصف أمريكا بالبراغيث الموبوءة بالطاعون، لكن لم تتح لها الفرصة أبدًا. وفي أغسطس 1945، بعد قصف كل من هيروشيما وناكا زاكي، غزا الجيش السوفيتي إقليم منشوريا وقضى على الجيش الياباني تمامًا، وتمت إبادة الوحدة 731 رسميا. حيث تم حرق سجلاتها في الغالب، مما أدى إلى تدمير أي معلومات مفيدة قد تفيد الباحثين.
لكن كارثة الوحدة 731 ستظل محفورة بدم أسود في سجل التاريخ الياباني خاصة، والعالمي عامة، كأسوء مخيمات التعذيب التي سبق وأن وجدت على الإطلاق.