لا شك في أن المرأة هي أساس وعماد كل المجتمعات عبر العالم. المرأة التي تضم الأم، الزوجة، الأخت والابنة، تسعى كل واحدة منهن لإبراز اسمها ونجاحاتها في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. لاسيما إذا تحدثنا عن المرأة المغربية، التي تعتبر عنوانا للكفاح والاجتهاد. فرغم الانتهاكات القانونية والاجتماعية التي تتعرض لها بشكل يومي إلا أن مثابرتها من أجل حماية حقوقها وحقوق نساء أخريات لن ولم تنته.
نساء مغربيات تركن بصمتهم الخاصة في تاريخ المغرب
الحديث عن حقوق المرأة ليس وليد اللحظة، بل هو موضوع يرجع لقرون عديدة، والتي لم تستسلم فيها النساء عن الدفاع عن قضيتهن ورغبتهن الشديدة في المساواة بين الجنسين.
هذه القضية جعلت النساء يستعن بالخطب والحركات النسوية من أجل الكفاح للحصول على نفس القيمة التي يتميز بها الرجال من خلال التعليم والشغل والمعيشة اليومية. تعرضن للانتقاد اللاذع لكن لم يستسلمن للكلمات الفارغة التي تسعى لتدمير قضيتهن، بل سعت كل امرأة مغربية في إيصال رسالتها وإيمانها بها لنساء أخريات من أجل الاستمرار في هذه المسيرة.
وعند الحديث عن المرأة المغربية، لابد لنا أن نذكر مجموعة من النساء اللاتي سعين بكل ما يملكن من قوة ومال وعلم من أجل إثبات حق المرأة داخل المجتمع المغربي. لنتعرف عليهن من خلال التسلسل الزمني:
عهد الأدارسة
- كنزة الأوربية
نستهل لائحتنا بالسيدة والأميرة كنزة الأوربية التازية، زوجة الأمير المولى إدريس الأول. هي مستشارة زوجها الأمير وابنها المولى إدريس الثاني، وكذلك كانت اليد اليمنى لأحفادها. هي امرأة بألف رجل تخطت كل ما يقال عنها وأثبتت نفسها ومكانتها السياسية رغم عن كل الصعوبات التي واجهتها آنذاك.
عاشت في مجتمع تسوده العقلية الذكورية خاصة عند الحديث عن شؤون الدولة، ففي البداية لم يتقبل حكمها العديد من الأشخاص لكنها أصرت على استمرار الحكم لصالح الأدارسة وحمت حقوقها وحقوق ابنها، الذي وتولى الحكم عند وصوله السن المناسب.
حكمتها ورزانة عقلها جعلا منها أقوى النساء اللاتي مررن في تاريخ المغرب وكسرن نظرة الذكورية في زمن كان يعم بالفكر الذكوري الصارم.
- فاطمة الفهرية
ننتقل لفاطمة الفهرية، مؤسسة أقدم الجامعات في العالم ” جامع القرويين”. والذي يعتبر القلب النابض لمدينة فاس. أرادت فاطمة أن تترك بصمة خاصة في حياتها، الشيء الذي جعلها تستثمر إرثها من والدها لتبني به أكبر الجامعات في العالم والتي كانت تضم العلوم الأساسية والنحو والشريعة الدينية.
تلقت فاطمة تعليما جيدا، مما جعل إيمانها بالتدريس والتمدرس لا حدود له. كما أنها عرفت بحبها الكبير وشغفها لمساعدة الناس بكل ما تملك من جاه ومال. توفيت بعد عامين من بنائها للمسجد الذي أدرجته منظمة اليونسكو ضمن التراث العالمي الخاص بها.
المرأة المغربية في عهد الدولة المرابطية
- زينب النفزاوية
عند الحديث عن التعلم لا يجب أن ننسى زينب النفزاوية، الملكة البربرية من سلالة المرابطين، والتي حصلت هي الأخرى على تعليم جيد في زمن نادرا ما كانت تتلقى فيه الفتيات الدراسة. تميزت بجمالها وفطنتها الهائلة التي خولت لها أن تصبح مستشارة لزوجها وحاكمة خفية للدولة المرابطية.
تزوجت زينب عدة مرات ورغم فشلها المستمر في زيجاتها إلا أنها لم تتردد يوما في إعادة الزواج، حتى نجحت في زواجها الأخير من يوسف بن تاشفين الذي عاشت معه حياة مليئة بالانتصارات وفتوحات متعددة لصالح الدولة المرابطية.
لقبت زينب بالساحرة لقدرتها الفريدة على خوض نقاشات ومفاوضات سياسية كبرى، كما أن قوتها وحكمتها جعلا منها مثالا مميزا تحتذي به النساء في عصرها.
المرأة المغربية في أواخر القرن التاسع عشر
- حادة الزايدية
ومن قال أن الدفاع عن حقوق المرأة يلزمه شهادات جامعية أو غنى فاحش. لا بالعكس، فكل الطرق مباحة، المهم أن تصل الرسالة. سنتحدث عن سيدة من السيدات التاريخيات في المغرب، التي دافعت عن حقوقها وعائلتها، بكل ما تملك من أشعار. ناضلت وجاهدت عن طريق حنجرتها الذهبية، وأوصلت رسالتها رغم دفنها وهي حية.
تعرضت الشاعرة حادة الزايدية رفقة عائلتها للاضطهاد في أواخر القرن التاسع عشر، من طرف القايد “عيسى بن عمر”، الذي كان ذا سلطة عالية بضواحي مدينة آسفي المغربية.
أحب القايد عيسى حادة الزايدية التي كان يطلق عليها آنذاك لقب “خربوشة”. وحاول كسبها من خلال الهدايا والذهب، لكنها ظلت رافضة له. استولى القايد على قبيلتها وقتل عائلتها بأكملها، لكنه فضل تركها لتتعذب معنويا إضافة إلى التعذيب الجسدي الذي كانت حاشيته تمارسه عليها.
لكن، خربوشة لم تستسلم. صبرت ونالت في الأخير ما كانت تحلم به، إذ وفي حفل زواجها من القايد اعتلت المسرح لتغني إحدى أغانيها المعروفة، لكنها كانت تخفي مفاجأة للحاضرين. إذ غنت بكل مل تملك من قوة بكلمات كالسيف على الحنجرة، أغنية ” وافينك أعويسة فين الشأن والمرشان”. انصدم الجميع بقدرتها الهائلة على مجابهة القايد الظالم، ليرافقوها في الأخير الغناء أثناء انهيار عيسى بن عمر.
دفنها القايد وهي حية تغني آخر أغانيها، لكن ذكراها لا زالت حاضرة إلى زمننا الحالي. فمن لا يعرف أغنية “خربوشة” التي يغنيها الكبار والصغار. خلدها المغاربة كرمز للمثابرة والصبر والدفاع عن الحقوق حتى آخر رمق.
المرأة المغربية في العهد الجديد
- مليكة الفاسي
من لا يعرف هذه السيدة الشجاعة التي ذاع صيتها داخل المغرب وخارجه. شاركت في إعداد وثيقة المطالبة بالاستقلال مع رفاقها من الحركة القومية، ووقعت عليها في 11 يناير سنة 1944. وهي المرأة الوحيدة التي وقعت من بين 66 رجلا.
هي امرأة مثابرة وصبورة تنحدر من عائلة عريقة بفاس. بدأت دراستها بكتاب الفتيات، لتكمل بعد ذلك دراستها رفقة مدرس خاص بالمنزل.
كان لعائلة مليكة دور مهما في تلقيها أسس السياسة بالمغرب. مما جعلها تؤمن بقضية الاستقلال وتؤكد على ضرورة تمدرس الفتيات. الشيء الذي كان عيبا آنذاك، حيث كانت الأمية هي القاعدة وسط النساء.
لم تستسلم مليكة يوما عن إرادتها الكبيرة في تقديم يد العون للنساء. إذ بحكم إدارة زوجها لجامع القرويين آنذاك، جعلها تذهب شخصيا للملك الراحل محمد الخامس وتستأذنه من أجل فتح قسم خاص بالفتيات وسط الجامعة. وافق الملك على طلبها، لكن تطبيقه كان مستحيلا آنذاك في ظل سيطرة الاستعمار الفرنسي.
ظل شغلها الشاغل طوال مسيرتها أن توصل صوت المرأة المغربية وتحسن من وضعيتها ومكانتها داخل المجتمع، وبما أنها كانت خير مثال لهن فقد احتذين بها ورمين عباية الأمية والتجأن للدراسة.
بعد استقلال المغرب عين الملك محمد الخامس زوج مليكة محمد الغالي الفاسي، كأول وزير للتعليم في المغرب المستقل. ومن خلال شهادته المجروحة بنضال مليكة وإيمانها بالحرية الوطنية، جعله يعرض عليها مرافقة زوجها في الحكومة، كوزيرة للشؤون الاجتماعية. لكنها رفضت، وطلبت منه فقط ضمان المساواة بين المرأة والرجل في التعليم وفي الحقوق السياسية وفي التصويت. الأمر الذي تحقق بمجرد خروج الدستور الجديد.
- فاطمة المرنيسي
تعتبر الكاتبة فاطمة المرنيسي من القليلات اللاتي حظين بحق التعليم في فترة الاحتلال الفرنسي. ساهمت بكل جهدها في تفكيك جذور الأنماط الاجتماعية التقليدية، كما أنها أسست مبادرة جمعوية من أجل النهوض بحقوق المرأة تحت اسم “قوافل مدنية”.
ألفت العديد من الكتب وقامت بعدة محاضرات جعلت منها مرجعا أساسيا للحركة النسائية بالمغاربية، وكل هذا من أجل منح المرأة الحقوق والحرية التي تفتقر لهما.
- عائشة الشنا
وعند الحديث عن النساء المغربيات المناضلات وعن حقوق المرأة، لن ننس طبعا الراحلة عائشة الشنا. والتي كرست حياتها وكل وقتها من أجل حماية حقوق المرأة والطفل وخاصة النساء في وضعية صعبة.
منذ أن رأت النور وهي تكابد عناء الدفاع عن كل امرأة مرت بحياتها ولم تشتك يوما. حظيت بجوائز مغربية وعالمية في نفس الصدد، وفتحت أبواب جمعيتها أمام الأمهات العازبات اللاتي كن ضحية للعلاقات العابرة، وجعلت من أطفالهن أبناء لها.
- عائشة مكي
حديثنا عن المرأة المغربية جعلنا نستحضر أبرز اسم نسوي في الصحافة المغربية، ألا وهي الصحافية الراحلة عائشة مكي. ازدادت سنة 1950 بمدينة تازة. عاشت طفولة مضطربة خاصة عند زواج أمها من رجل آخر. إذ كانت ضحية العنف المنزلي. لكن هذا لم يمنعها من الوصول إلى القمة عن طريق تحدثها عن المواضيع المحرمة آنذاك.
ثابرت وعملت بجهد كبير على إيصال صوت الأطفال والنساء المعنفات من خلال أعمدتها الشهيرة في صحيفة L’opininon. اشتهرت بفصاحتها باللغة الفرنسية، واختارتها من أجل إيصال صوتها لأبعد الحدود.
تكلمت عن السفاحين وعن الاغتصاب الجماعي وعن جرائم السحر والشعودة. ودافعت عن الخادمات الصغيرات اللاتي يتم استغلالهن. ورغم أنهم وصفوها بالبائسة إلا أن هذا لم يحرك فيها ساكنا، إذ كانت تقول إنها توصل الحقيقة الخام كما هي عليه.
تحية خالصة لكل هاته النساء اللاتي مررن بالتاريخ المغربي، آمن بقضيتهن وحريتهن وضرورة إنصافهن من خلال القوانين التشريعية، وتركن بصمتهن الخالدة في أعماق كل امرأة مغربية.