يتميز كل بلد عن آخر بحضارة عريقة ممتدة لقرون. وما يميز المملكة المغربية ثقافتها التي بصمت أثرها في ربوع المعمورة من خلال الأطباق المغربية المتميزة والمعالم التاريخية، وغيرها. كما يتميز المغرب بلباس تقليدي يعد جزء لا يتجزأ من تراثه.
فالقفطان المغربي البديع مكون أصيل في عادات المغربيات، وقطعة أساسية في حفلات الزفاف والمناسبات الخاصة. لم تزعزعه عن عرشه أرقى علامات الموضة العالمية. وهو خير شهيد على أناقة المرأة المغربية.
فما قصة القفطان المغربي التقليدي؟
القفطان المغربي التقليدي عبر العصور
القفطان المغربي زي نسائي ورمز للهوية المغربية والفخامة والنبالة والرقي، وهو من أقدم الألبسة التقليدية. واختلف المؤرخون حول أصل القفطان المغربي، لكن بعض المصادر تذكر أن أصله يعود إلى عهد الدولة الموحدية بالمغرب في القرن الثاني عشر. إذ كانت تتم صناعة القفطان في مدينة فاس المعروفة آنذاك بكونها المدينة الصناعية الأولى للموحدين.
وفي عهد الدولتين المرينية والوطاسية، ارتبط هذا الزي بالمناسبات والحفلات. حيث بدأت عادة تقديم القفطان المغربي مع جهاز العروس. وهي عادة ما تزال مستمرة في المغرب إلى يومنا هذا. وفي السياق ذاته، يقول المؤرخ ابراهيم حركات في كتابه “المغرب عبر التاريخ”: “تقضي العادة أن يقدم ثلاثة قفاطين، ثلاثة فساتين وعدة أقمصة وشربيلا (نعل مغربي). وأغطية للفرش مزخرفة، ووسائد وثمانية فرش، وأربع وسائد مطرزة. فضلا عن زربية وثلاث أغطية لسرير نوم وأشياء أخرى”.
وفي عهد الدولة العلوية، كان القفطان لباس الأمراء والسلاطين. حيث كانوا يهتمون آنذاك بمظهرهم بشكل كبير، ما جعل القفطان جزءا من لباسهم المخصص في الظهور في مناسباتهم وحفلاتهم التي تقام في القصور، وزياراتهم الرسمية.
كيف تحول القفطان المغربي من لباس رجالي إلى زي نسائي؟
كان القفطان في القرن الثاني عشر لباسا رجاليا بأكمام قصيرة. يرتدي الرجال فوقه قطعة سوداء أو داكنة اللون، من الصوف تسمى بـ ”البرنوس”. كما كان الجزء الأمامي من البرنوس أقصر من الظهر بغية تسهيل المشي أو ركوب الخيل. وكان له قب أو غطاء رأس يوفر الدفء في الشتاء.
بعدما كان القفطان المغربي حصرا على الرجال، انتشر أيضا في صفوف النساء في القرن الخامس عشر الموافق لفترة حكم الدولة الوطاسية. حيث حول المغربيات القفطان من لباس خاص بالرجال إلى زي نسائي. إذ صممنه بتفاصيل بسيطة من الصوف، ولبسن فوقه “برنسا” مصنوعا من الصوف الأسود.
وحسب مقال نشر في مدونة ثقافة المغرب، فإن الحسن الوزان المعروف ب “ليون الإفريقي”، ومؤلف كتاب “وصف إفريقيا” في جزئها الأول. وصف فيه نساء مدينة فاس في القرن الخامس عشر قائلا: “لباس النساء جميل. إلا أنهن في أيام الحر، لا يرتدين سوى قميص يحزمنه بنطاق لا يخلو من قبح. ويلبسن في الشتاء ثيابا عريضة الأكمام، ومخيطة من الأمام، مثل ثياب الرجال”.
هذا المقتطف من المؤلف، دليل على أن نساء فاس، برعن في الخياطة والحكاية، وأيضا في تحويل القفطان الرجالي إلى زي نسائي. إذ كان القفطان المغربي النسائي آنذاك، مصنوعًا من الصوف الأزرق أو القماش الحريري، ومزينا بخيوط ذهبية. وكان بلا أكمام ومغلقا بأزرار ذهبية. أما الحزام أو المضمة فهي عبارة عن وشاح حريري.
المنصورية … أصل زي الملوك والفقهاء
وبالرجوع إلى مقال مدونة ثقافة المغرب، فإن سلطان الدولة السعدية أحمد المنصور الذهبي كان يهتم بأناقته وهندامه. حيث لطالما كان السلطان المغربي يظهر بالقفطان المغربي. وكان يعتمد في غالبية الأحيان على اللون الأبيض في لباسه.
كما يذكر أن السلطان السعدي، أول من ارتدى المنصورية في القرن السادس عشر. والتي نسبت إلى اسمه، وكانت تصنع خصيصا بفاس.
فالمنصورية المعروفة حاليا بـ”التكشيطة المغربية”، عبارة عن لباس مكون من قطعتين، السفلية أو الدفينة. تصنع من ثوب سميك، بينما الفوقية عبارة عن قفطان شفاف.
وفي سياق متصل، يقول المؤرخ ابراهيم حركات في كتابه سالف الذكر: “المنصور اتخذ زيا خاصا، أدخل فيه القفطان والمنصورية التي نسبت إليه. وهو أول من استعمل المنصورية في لباسه، وصار هذا الزي يتخذه بعده الملوك والفقهاء”.
رحلة القفطان المغربي الأصيل إلى العالمية
بعد أن بدأ القفطان المغربي رحلته خارجا عن حدوده الجغرافية في بدايات القرن التاسع عشر. دخل إلى الجزائر إبان عهد الاستعمار. مما جعل أصول القفطان المغربي محطة نزاع بين المغرب وجارته الشرقية. حتى قيل إن الجزائريين هم من أدخلوا القفطان للتراب المغربي أثناء بطش الاستعمار الفرنسي.
وظلت المرأة المغربية تتزين بهذه اللوحة الفنية لقرون طويلة، حتى أصبح قطعة أساسية في خزانتها. إلى أن ذاع صيته واكتسب شهرة واسعة، واقتحم دور الأزياء العربية والعالمية. ومن جهة أخرى أسر هذا الزي الساحر، العديد من المصممين العالميين مثل كينزو، ومصمم الأزياء جون بول غولتييه، وكريستيان لاكروا.
كما لفت انتباه نساء من ثقافات وجنسيات مختلفة. ما جعل جميلات العالم يلبسن القفطان المغربي، كالراحلتين إليزابيث تايلور، وويتني هويستن، إضافة إلى الممثلة التركية توبا بويوكوستن. وذلك إلى جانب أميرات أجنبيات منهن ميغان ماركل زوجة الأمير هاري. كما ارتدته هيلاري كلينتون في إحدى زياراتها للمغرب، عندما كانت السيدة الأولى للبيت الأبيض.
كما تباهت بالقفطان المغربي الأصيل مطربات عربيات مثل أصالة نصري وميادة الحناوي وديانا حداد ونوال الزغبي وشيرين عبد الوهاب.
ويبقى هذا الموروث صامدا في وجه أرقى علامات الموضة العالمية، حيث يختزل الثقافة والهوية المغربية. وهو موروث ثقافي، وجب على الأجيال الصاعدة الحفاظ عليه.