رغم اعتراف الأمم المتحدة بـ 180 عملة قانونية في العالم، يبقى الدولار الأمريكي الأكثر شيوعا واستخداما في مختلف أصقاع العالم. حيث يعد رمزا للقوة ودلالة على النفوذ والسلطة الإقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية. وما يمكن أن يتعرض له يؤثر مباشرة وبشكل عام وكبير على الإقتصاد العالمي. فما قصة تاريخه؟
من ثالر إلى ديلار … نشأة الدولار الأمريكي
يعد الدولار الأمريكي العملة الأساسية في الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن القصة بدأت من أوروبا وتحديدا في القرن السادس عشر. وذلك عندما عثر على كميات هائلة من الفضة في بوهيميا، وهي التي تعرف اليوم بجمهورية التشيك.
وبدأ التشيكيون في صك عملة نقدية كبيرة الحجم، من الفضة الخالصة، وسموها “ثالر” وهي التسمية التي لم تعني شيئا في بادئ الأمر. اختصرها الألمان في “تيلار”، ونطقها الهولنديون بعد ذلك “ديلار”. بعد ذلك أطلق الإنجليز نفس التسمية على كل النقود المعدنية ونطقوها دولار.
بعد أن قل مخزون الفضة في أوروبا الوسطى، نقصت كمية الفضة في العملة. وصادف تلك الفترة، اكتشاف كميات كبيرة من الفضة، في أمريكا الجنوبية. فيما صكت إسبانيا عملات فضية، سميت أنذآك بـ “بيزو دي أوتشو ريلز”، ليتم اختصارها في كلمة “بيزو”. وبات البيزو الإسباني العملة المستعملة في التبادلات التجارية عبر العالم آنذاك.
تم إنشاء الدولار الأمريكي عام 1792. وكان على شكل ثلاث عملات نقدية. الأغلى منهم كانت مصنوعة من الذهب، أما الأقل قيمة، فكانت مصنوعة من الفضة. في حين العملة الأخيرة والأكثر تداولا كانت نحاسية.
من عملة نقدية إلى ورقية
ظلت العملات النقدية متداولة بشكل واسع حتى اندلعت الحرب الأهلية الأمريكية، بين الشمال والجنوب. الأمر الذي استدعى الكثير من المال.
ومن أجل تمويل الحرب، والحفاظ على مخزونهم من الذهب والفضة. لجأ قادة البلاد إلى اصدار العملات الورقية، والتي سميت آنذاك بـ “عملة المستعمرات”. وفي عام 1861 بدأت طباعتها مع نهاية الحرب الأمريكية.
بعد نهاية الحرب الأهلية. بدء الأمريكيون في تنظيم المؤسسات الإدارية والسياسية. حيث كتب مؤسسو أمريكا الحديثة دستور الولايات المتحدة، وأصبح جورج واشنطن أول رئيس للدولة، وطبعت صورته على كل دولار.
الولايات المتحدة … القوة الصاعدة الجديدة
مع ظهور بوادر الحرب العالمية الأولى عام 1914. قلت موارد الذهب الذي لم يعد كافيا لتغطية قيمة النقود الورقية. ما أدى إلى تخلي معظم الدول على هذا النظام المالي غير المتناسب مع التحديات الجديدة. ومع حلول الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة، هي الدولة الرائدة في بيع الأسلحة للحلفاء، مقابل الذهب.
كيف كانوا يدفعون بالذهب، رغم تخليهم عن التعامل به؟ كانوا يحتفظون به، كملاذ آمن للتعامل به في وقت الأزمات.
في السياق ذاته، أدت المعاملات التجارية “تجارة الأسلحة” بين الولايات المتحدة وباقي دول العالم، إلى سيطرتها على ما تبقى من احتياطات الذهب. بذلك أصبحت أمريكا تملك الغالبية العظمى من الذهب في العالم.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1944، اجتمع ممثلون من 44 دولة، لعقد اتفاقية “بريتون وودز”. وذلك من أجل التوصل إلى حل بشأن النظام المالي الجديد. ولأن الولايات المتحدة آنذاك، كانت تملك الحصة الأكبر من الذهب، تم الإتفاق على ربط عملات تلك الدول، بالدولار الأمريكي المحصن بارتباطه باحتياطي الذهب الكبير.
وهكذا أصبح الدولار الأمريكي المحور المركزي للنظام المالي، وعملة الاحتياط العالمي.
صدمة نيكسون
استمرت الثقة بالدولار الأمريكي إلى عام 1971، حتى ألقى الرئيس الأمريكي رتشارد نيكسون أحد خطاباته المتلفزو الشهيرة. إذ أعلن فيه بصريح العبارة، إلغاء التحويل المباشر من الدولار إلى الذهب.
تمخض عن هذا القرار جعل نظام بريتون وودز، الذي كان فيه الدولار الأمريكي قابلا للتحويل إلى الذهب، غير قابل للتنفيذ وملغيا. وبحلول عام 1973 تم تغيير نظام بريتون وودز، بنظام تعويم العملات، الذي لا يزال العمل به قائما حتى الآن.
انهيار العملات العربية أمام الدولار الأمريكي
شهدت الآونة الأخيرة موجة انخفاضات متوالية لعملات عربية، وصلت لحد التدهور، خاصة في تلك الدول التي عرفت اضطرابات سياسية واقتصادية كبيرة في العشرية الأخيرة.
ومن بين أبرز العملات العربية التي عرفت اضطرابات شديدة في قيمتها العالمية: “الليرة السورية واللبنانية، الجنيه السوداني والمصري، إضافة إلى كل من الريال اليمني، الدينار العراقي والتونسي”.
تختلف أسباب تراجع قيمة هذه العملات من بلد إلى آخر. لكن القاسم المشترك فيما بينها هو تراجع وتدهور اقتصادات تلك البلدان. ما أدى إلى عجز في ميزان المدفوعات وتصاعد معدلات التضخم. فضلا عن الأعمال الحربية داخل البلد المعني، أو صلته بعمليات حربية في الإقليم، أو محاذاته لدول في نزاعات مسلحة. إضافة إلى انخفاض أسعار السلع، التي تشكل جزءاً كبيراً من الصادرات، مما رافقه انخفاض القوة الشرائية للمواطنين والمقيمين.
وقد ترك هذا الواقع أثره البالغ على حياة سكان هذه الدول. حيث أضحوا يواجهون ظروفا معيشية صعبة. فعلى سبيل المثال، انخفض الجينه المصري، مقابل الدولار الأمريكي، بنسبة 40 في المئة خلال العام المنصرم فقط. ووصلت نسبة التخضم في البلاد، إلى ذروتها بتسجيلها نحو 27 في المائة.