قد يشكل العمل الحر حلما بالنسبة للكثير منا. الاشتغال بساعات حسب الرغبة، أن تكون مدير نفسك، أن تحصل على قسط من الراحة في الوقت الذي ترغب به… هي كلها مزايا يتم الترويج لها وتجعل الكثير من الأشخاص يطاردون حلم تأسيس مشروعهم الشخصي. وبالتالي مغادرة عمل المكتب الذي لا يكاد يخلو من الضغط والتوتر. لكن الأمر ليس كما يبدو في الواقع، فالعمل الحر يكتسي جانبا مظلما لا يعي به معظم الأشخاص، حتى يقرروا خوض غماره ودخول مجاله.
الوقت الذي لا تعمل فيه لن تكسب فيه
عندما تعمل لحسابك الخاص، يصبح الوقت مرادفا للدخل. وقد يغدو استمتاعك بالراحة ملوثا بقلقك عن المبلغ الذي يمكن أن تكسبه. وقد يتطلب بدء مشروعك الخاص تمويلًا ضخما لبدء العمل، وستحتاج بكل تأكيد لفكرة، وساعات طويلة ، وصبر كبير، وعملً شاقً. خلاصة القول هي أنه قد ينتهي بك الأمر بالعمل لساعات أكثر مما تفعل أثناء اشتغالك كموظف.
قد تكون هناك فترات تكون فيها مشغولاً للغاية، وأوقات أخرى تشعر فيها بركود في العمل. وفي نفس الوقت ستواجه مشاكل تتعلق بعدم انتظام الراتب، الذي غالبا ما ينتج عنه صعوبة في تسوية الفواتير وتسديد القروض. لذلك فصاحب المشروع يجد نفسه أمام ضرورة الانضباط في إدارة الأموال وحسن تدبير الميزانية، وهو ما يعتبر أمرا شاقا في كثير من الأحيان.
ولعل من بين أكبر عيوب العمل الحر فقدان المزايا مدفوعة الأجر التي يتمتع بها الموظفون. مثل الإجازة المرضية والإجازة السنوية مدفوعة الأجر. فحينما يكون الشخص هو نفسه المُشَغِّل والمُشَغَّل، لا يمكن في غالب الأحيان تحقيق الربح دون العمل. وبالتالي سيكون الأمر صعبا في حالة المرض بحيث لن تتاح فرصة للتعافي التام بعد المرض، أو أخذ استراحة بعد تعب.
بين الافتقار للحيوية الاجتماعية وغياب مدفوعات التقاعد
يكرس العمل الحر للعزلة، بحيث يضطر أصحاب المشروع الحر للعمل بمفردهم بشكل كامل. لذا فهم يحرمون من العمل الجماعي والقدرة على مشاركة الانتصارات المهنية أو الإحباطات مع الزملاء. وذلك في ظل غياب اللقاءات والمناسبات الاجتماعية التي تنظمها عادة الشركة، والتي تتيح للعاملين والموظفين التواصل وتكوين صداقات فيما بينهم.
وبصفتك موظفًا، فإن صاحب العمل مجبر على المساهمة بنسبة من راتبك الأساسي أو راتبك للتقاعد كل عام. لكن بصفتك عاملًا لحسابك الخاص، فإن الأمر متروك لك لتدبير مسألة التقاعد. هذا يعني تقديم مساهمات عظمى من جيبك الخاص، الأمر الذي يتطلب الكثير من الانضباط.
كما وجد البحث الذي أجرته جمعية صناديق التقاعد الأسترالية (ASFA) أنه في حين أن بعض العاملين لحسابهم الخاص يسيرون على الطريق الصحيح في تأمين مستويات مريحة من دخل التقاعد، فإن الغالبية تواجه مشاكل لتحقيق ذلك. كما أن الأرقام تثبت وجود فئة عريضة من أصحاب المشاريع الذين لا يتوفرون على معاش تقاعدي ولو بنسبة قليلة.
النجاح غير مضمون وتداخل الحياة المهنية والشخصية
العمل لحسابك الخاص لن يكون دائمًا سلسًا ومكللا بالنجاح. لذا يجب توقع الأسوء والتحضير لكل شيء محتمل، مع ضرورة الوعي أن النجاح لن يكون حليف كل حامل مشروع في هذا العالم حتى وإن ضبط أموره على أكمل وجه، وبالتالي فالاعتباطية والفجائية والفشل يظل شبحا يخيم على كل مشروع، سواء كان ذاتيا أو تشاركيا.
من جهة أخرى، يتمتع معظم الأفراد العاملين لحسابهم الخاص بحرية تحديد ساعات العمل الخاصة بهم والعمل من أماكن متعددة حسب الرغبة، على الرغم من أن هذا يمكن أن يكون ميزة كبيرة لا يتمتع بها صاحب العمل من التاسعة إلى الخامسة في شركة ما. إلا أنه قد يجعل من الصعب أيضًا فصل الأنشطة الشخصية عن المهنية، فعدم وجود ساعات عمل ثابتة، واستخدام المنزل كمكتب يمكن أن يؤدي إلى تشتيت الانتباه أثناء أوقات العمل وصعوبة في الاسترخاء خلال الوقت الشخصي.
بيد أنه يمكن التغلب على هذا العائق من خلال وضع حدود واضحة بين الاثنين، عبر تخصيص فترة زمنية محددة بوضوح للعمل ومحاولة تجنب العمل خلال الوقت الشخصي المخصص للاسترخاء أو النوم كلما أمكن ذلك.