رجال وشباب مقدام، وأحيانا نساء، بل وأطفال، يعتلون الأحصنة، يحلقون بالبنادق في السماء، يكبرون بأعلى الأصوات، في صف متراص، على أهبة الاستعداد للانطلاق بعد إشارة القائد.
حضور كثيف من الناس مجتمعين لساعات لا يعرف بعضهم بعضا، مبهورين بعرضٍ يشبه عرض السيرك لكنه ليس هو … عرضٌ يُكرر ويٌكرر، تدخل مجموعة تؤدي عرضها وتخرج أخرى …
فما الذي يجذبهم في هذا العرض؟ وما سبب تلك الرعشة التي نراها في كل حاضر عندما تمر السربة بجانبهم؟
دقات قلب تتسارع، أنفاس تشتد، كلما سارع الخيل في الجري تسارعت الأنظار معه، الكل يحبس أنفاسه في لحظة جمود وانسياب. ينتظرون صوت تلك الطلقة البارودية (التخريجة) … تخرج الطلقة (العمارة) فتنفرج النفوس كما لو كانت مربوطة.. زغاريد هنا وهناك، تصفيق يعلو بخروج الطلقة دقة واحدة. يكون هذا السيناريو هو جواب التساؤلات أعلاه.
صفٌ عريض من الخيل، جو حامٍ، حالة من الهيجان والروحانية، تلك الطلقة الأخيرة من البارود، ذلك الغبار والدخان المتناثر، ثم ذلك الرجوع إلى الهدنة بعدها؛ هذا تماما الوصف الحقُّ لما يُعرف ب “التبوريدة”.
الخيل في بلاد المغرب
كان الخيل موجوداً بأرض ليبيا – تسمية المغرب القديم- منذ بداية التاريخ وتشهد على هذا رسوم قديمة وُجدت بالأطلس الصحراوي، رسوم يؤكد العلماء أنها ترجع إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد، مما يدل ويعزز أن وجود الحصان كان منذ الأزل في بلاد المغرب الكبير. إذ قام السكان الأولون بتهجين هذا الكائن، ليصبح مساعدا لهم في الكثير من الأغراض، وليسهل عليهم مصاعب الحياة آنذاك.
بعد مرور السنين، وبعد تنظيم مستوى معيشة الإنسان وتحضر المغرب الكبير نوعا ما، كان دائما الحصان رفيقا للإنسان في مختلف نشاطاته. إذ رافق بعضهما البعض في مسيرة زمنية طويلة. وتقول الأساطير أن الحصان تمتع بمكانة مرموقة لدى ساكنة شمال إفريقيا منذ قدم السنين، وأن المغرب بشكل خاص عُرف باهتمامه الكبير به. فأُطلق على الحصان الذي كان بأرض ليبيا ب “الحصان البربري” نسبة إلى البرابرة.
الحصان البربري
اتصف الحصان البربري بالوجه الطويل المُحذوذب ، والظهر القصير، والذيل الطويل الناعم، واتسم أيضا بالمظهر الصلب وكذا سلاسة القيادة والصبر الجميل، كما تميز بالخفة في السباق؛ وهذه الميزة هي السبب في شهرته عند المجتمع القديم. وقد برزت مهاراته للجميع خلال الحروب البونيقية الأولى والثانية – الحروب التي كانت بين القرطاجيين والرومان – إذ كان الفرسان لا يباشرون الحرب إلا مع الحصان البربري؛ الحصان الذي جعل مؤرخي الرومان يُعجبون ويكتبون عليه كثيرا، من ذلك مثلا “ديدور دي سيسيل” الذي كتب: “ الأمازيغ بكل أشكالهم كانوا فرسان مهارةٍ، إذ يستطيعون الركوب على الخيل بلا سرج ولا شكيمة“، ويقصد بالشكيمة؛ هي قطعة من الحديد تعترض فم الفرس. إذ عُرف الفرسان الأمازيغ في الامبراطورية الرومانية على أنهم محاربين شجعان ومقاتلين قوامين، استطاعوا تصعيب المأمورية على العسكر الروماني عند المواجهة أثناء توسعه في شمال إفريقيا، حيث أن الرومان كانوا مثقلين بالذروع والسروج عكس الأمازيغ الذين كانوا يتحركون ذهابا وإيابا بكل مرونة وسهولة، دون أن يُلبسوا الخيل لا ركابا ولا لجاما… هذه الميزات دفعت الجيش الروماني بعدها إلى الاعتماد على هؤلاء الفرسان في حروبهم في ما بعد، فعند الذهاب اليوم إلى روما نجد عمودا يسمى “تاراجان”؛ عمودٌ يخلد معارك شارك فيها فرسان المور -الموريون المغاربة- في شرق أوروبا الحالية، بل حتى أنهم شاركوا حتى في مناطق أبعد، وقد استمر هذا إلى أن وصل العرب.
الفرس العربية
كما أتبث الرومان وغيرهم أن الحصان في شمال إفريقيا هو مخلوق مرتبط بعالم الروحانيات الشيء الذي منحه قدسية، فقد تبين أيضا أن العرب كان لهم ارتباط وثيق بالخيل مستندين على الحديث النبوي الشريف، “الخيل معقود في نواصيها الخير“.
كان المسلمون الأوائل ينشرون الإسلام بالفَرسْ، وبها دخلوا أرض ليبيا، إذ اجتمعت الفرس العربية بالحصان البربري لأول مرة؛ سلالتين من الخيل تربطهما نقاط متشابهة وتفرق بينهما نقاط أخرى.
تميزت الفرس العربية بكونها تنحدر من سلالات الخيول الخفيفة في العالم في شبه الجزيرة العربية، إضافة إلى شكل رأسها المميز وذيلها المرتفع، وهي واحدة من أقدم سلالات الخيول وأفضلها، ولها قدرة خارقة على الركض لمسافات طويلة، دون إهمال الحديث عن جمالها الفاتن الخاطف للنظر.
خيل التبوريدة المغربية
حسب الروايات والأساطير فبعد استقرار العرب في شمال إفريقيا بعد سنين من الحرب، ارتأوا تزويج الفرس العربية بالحصان البربري، وذلك لانبهارهم بمكانته وقوته في المنطقة، إذ نتج عن هذا التزاوج الفصيلة المعروفة عالميا بإسم “الخيل العربية البربرية” وهي من أقوم الخيول المتعمدة في التبوريدة اليوم.
الخيل العربية البربرية؛ هي الخيل التي شارك بها فرسان قبائل زناتة الأمازيغية في فتح الأندلس، إذ عُرف واشتهر هذا الخيل بالشجاعة والبسالة والقوامة حينها، مما دفع جيش الأندلس إلى اقتداء طرق ركوب الخيل من الفرنسان الزناتيين، فنجد اليوم كلمة Jinete أي زناتي تعني فارس عند الإسبان. وإلى حدود اليوم فطريقة الركوب الزناتية هي الطريقة المعتمدة أساسا في الفروسية، إذ كان الخيّال الزناتي عند ركوبه الخيل يستطيع الوقوف ويضرب ثم يرجع إلى مكانه دون السقوط، وكان يتم كل هذا بمنهى السهولة بالنسبة إليه وبتحكم وسيطرة بالغين.
التبوريدة المغربية قديما
حسب مؤرخي التاريخ فقصة التبوريدة بدأت بتدريب لعبة تتكون من صفان متراصان من الخيل يقابل بعضهما الآخر، فيما يحمل الخيالون عِصِيّاً من الخيزران (القصب) على شكل رماح؛ يخرج خيَّال (فارس) واحد من الصف الأول من سربته (مجموعته) متوجها نحو الصف الثاني المقابل، ويرمي بعصاه نحو واحد من خيّالة الصف الثاني، إذ يُستوجب عليه بعدها أن يدير ظهره للعودة إلى صفه، وفي نفس اللحظة الخيال المصاب بالعصا يحاول اللحاق بالفارس الذي أصابه قبل وصوله إلى صفه، في حال لم يلحقه يعود وحصانه إلى مكانه، وكان من أهم شروط هذه اللعبة السرعة أثناء أداء هذا العرض، حيث يصبح المحرك (المضمار) بين أخد ورد، فر وكر.
يُروى أن هذا العرض اشتهر أكثر بسبب واقعة حدثت للسلطان المولى الرشيد الذي فقد حياته سنة 1082 في عز شبابه وعطائه، وفي أوج انتصاراته ومجده السياسي والعسكري وكان السبب فَرسُهُ، فحسب ما يروى ويقال بأنه خلال عرض فروسية أقيم بمراكش بمناسبة عيد الأضحى، كان السلطان فوق فرسه الذي جمع به، فارتطم رأسه بشجرة فتهشم ومات لحينه. ولم يكن هذا الحدث الوحيد الذي تناولته كتب التاريخ حول عروض الفروسية التي كان يمارسها المغاربة قديما … بل كثيرة هي اليوميات والكتابات التي أدرج فيها هذا الفن الذي يمارسه المغاربة.
خلال القرن 16 تحول عرض الفروسية هذا من الرماح إلى البنادق، وهو الحال الذي عليه التبوريدة اليوم، ونجد “إميلي شريفة وزان” تحكي في سيرتها الذاتية “قصة حياتي” عن عرض حضرته هي وزوجها في مدينة فاس، وشهادتها هذه كانت من بين أوائل الشهادات التي وصفت التبوريدة في القرن 19. هذا القرن كان هو نفسه الزمن الذي حضر فيه الرسام “أوجيه ديلاكروا” إلى المغرب، حيث كان هذا الأخير من الرسامين الأولين الذين خلدوا التبوريدة المغربية في لوحاتهم، وهو الذي أطلق على التبوريدة إسم “الفانتازيا” بالفرنسية، وذلك ربما لكون التبوريدة في ذلك الوقت بدت كعرض فرجوي أكثر ما هو حربي، فآنذاك بدأ السلاطين في إعداد جيش محترف يستطيع مواجهة التسرب الأجنبي، لكن غايتهم هذه لم تدرك وذلك بسبب فرض الحماية على البلاد.
التبوريدة المغربية حاليا
في الوقت الذي فرضت فيه الحماية كان رجال البارود أول من قاوموها، لكن بعد استقرار الاستعمار في البلد وتغيير أساليب المقاومة، ظلت التبوريدة تمثل عروضا فرجوية ضرورية في العقائق، الأعراس، الاحتفالات المهمة …، وقد وصف الكُتَّاب المعمرون حين كتبوا عن التبوريدة على أنها كانت تمثل فخرا ونبلا للفارس المغربي.
عاشت التبوريدة نوعا من التهميش في فترة الحماية وانحصرت في المواسم وبعض المناسبات الدينية، لكن مع فجر الاستقلال بدأت تعرف هذه عروض طريق الشهرة، وربما الحدث الذي جعل التبوريدة تُعرف عالميا هو عيد الميلاد الأربعين للملك الحسن الثاني لسنة 1969، إذ خلال هذه المناسبة لعب البارود 2000 خيّال.
منذ السبعينات حتى اليوم أصبحت التبوريدة المغربية من الثقافات التي تجذب اهتمام السياح المهتمين بفنون الفروسية والفولكلور، هذا الجذب السياحي جعل أصحاب البارود (الخيالة) يهيكلون وينظمون من هذا الفن بكل احترافية، الشيء الذي جعلهوم يهتمون أكثر بهندامهم وخيلهم، لأن السْربات (مجموعات الخيالة) باتت تلعب في أماكن رسمية جدا والناس التي تشاهد هذه العروض باتت تشاهد فيهم ممثلين لهذا التراث المغربي.
الزي التقليدي الرسمي للتبوريدة
يرتدي كل أعضاء السربة زيا موحدا رغم اختلاف الألوان المعتمدة بين كل منطقة وأخرى، إلا أن الشكل واحد، وهو زي تقليدي، يتكون من جلباب رقيق تحته ما يسمى في المغرب بالفرجية أو التشامير، وكذا السروال العربي المشهور الواسع ذا اللون الأبيض. ثم العمامة التي يتم وضعها فوق الرأس، إلى جانب بعض الإكسسوارات الجلدية المتمثلة في حقيبة ويُطلق عليها في المغرب ب “الشكارة”، والمْجادل على الأكتاف، أما حذاء الفارس فيكون مصنوعا هو الآخر من الجلد الخفيف ويصل إلى تحت الركبة ويسمى ـ”التْماك”، إذ يتم ربط مهاميز عليه من الأمام، وذلك لوخز الخيل حتى يقوم بأداء الحركات في حال خموله وتقاعسه.
ليس الخيال أو الفارس هو الوحيد الذي يتزين للعرض، بل يقوم هو الآخر بتزيين خليه بـأبهى التزيينات، بسرج مصنوع على الطريقة المغربية التقليدية، وتتكون هذه زينة الخيل من:
- اللبد: وهو عبارة عن نسيج مصنوع من الصوف المحلي، يكون ناعما حريريا، يتم وضعه على صهوة الحصان.
- الطّراشح: وهي ستة سجاجيد مصنوعة من الملف (نوع من الخيوط) وتتمثل وظيفتها في حماية صهوة الفرس من الاحتكاك بـ “القربوس” الذي ينتج عنه التهابات.
- القربوس: وهو من أهم عناصر التزيين وخصوصا في السرج، إذ يُربط هذا الجزء في الفرس من مقدمة البطن برباط محكم يعرف بـ “تاكُست” وبآخر من صدر الفرس ويعرف بـ”الدِّير”.
إلى جانب السروج هناك أنواع أخرى من الزينة، وهي عبارة عن أجراس صغيرة معلقة بخيوط من الحرير، وكذا لؤلؤ من الموزون، والقبض وهو وشاح ذهبي اللون يعلق في رقبة الفرس، ثم تِسككِرِّيت وهي التي تربط إلى اللجام في مقدم رأس الفرس.
استعراض التبوريدة الساحر
بالنسبة للفضاء الذي يتم فيه الاستعراض فيسمى ب “المْحْرَكْ” (المضمار)، وحسب منظمة اليونسكو تبلغ مساحته 200 متر طولا و70 مترا عرضا، بما في ذلك مسافة الأمان التي ينبغي احترامها بين الخيول والبنادق وكذا الجمهور.
ولا تقوم التبوريدة دون شروط أساسية ينبغي أن تتوفر في الفرس والفارس، حيث يشترط في هذا الأخير أن يتسم بسمات البسالة والاعتدال والانضباط.
أما عن الفرس فيجب أن تكون حرة متعففة، أي مستقلة عن علف غيرها، متيقظة تجاه التهديدات الخارجية، إذ تعبر بحركة من أذنيها عند اقتراب شخص غريب. أن يكون الحصان صغير السن وطويل القامة؛ إذ يعد تجاوز الأربعين سنتمترًا بالنسبة للمسافة بين ركبته ومكان الحافر والساق من أفضلها، وأن يمتلك الحصان خاصرة واسعة، وعضلات مفتولة وذيلا قصيراً في نهايته خصلة شعر طويلة، أن يتمتع بالصدر الواسع، والرأس المرفوع، والركبتين العريضتين. بالإضافة إلى ألوان الخيل الأكثر رغبة عند عشاق التبوريدة والتي تتمثل في؛ الخيل الأشقر الأدهم، والمذهب اللون، والأسود الداكن، كما أنه يوجد خيل فريد من نوعه يمر بمراحل مختلفة خلال مرحلة نموه؛ إذ يولد أسوداً ويتحول إلى الأبيض المختلط بالأسود، وهذا أفضل أنواع الخيول.
أما عن بندقية البارود أو ما يطلق عليها “المكحلة” فهي من أهم العناصر في التبوريدة، إذ تمثل الارتباط والعلاقة بين هذه الفانتازيا الاحتفالية والإرث القتالي للقبائل المغربية. إذ نجد أن المكحلة عرفت تطورات مهمة من ناحية صناعتها وزينتها وكذا صلابتها منذ ذلك الحين إلى اليوم، ليصل ثمنها إلى حدود 4 آلاف دولار، وذلك حسب جودة ونوعية المواد المصنوعة منها أجزاء البندقية، ثم وفقا إلى إتقان وإبداع الصانع المتخصص في صناعة مكاحل التبوريدة المغربية.
ينتظم سرب الخيَّالة بلباسهم الموحد في صف متراص، ويمكن أن يصل عدد فرسان التبوريدة إلى مائة خيال، يجتمعون جميعهم حول “العْلاَّم”، وهو رئيس فرقة التبوريدة، وينطلقون في الدوران حول الحلقة وهم يرددون تكبيرات وتهليلات وعبارات صعبة الفهم لكنها ذات معنى عميق وتاريخي لا يفهمها غير عشاق التبوريدة. بعد ذلك يقومون ب “الهدة” وهي التحية عن طريق توجيه البنادق إلى الأعلى نحو السماء أو نحو الأرض تبعا لإشارة العلام الذي يتبنى مسؤولية تنظيم الفرقة عند خط البداية وإعطاء إشارة الانطلاق وإشارة الوقوف، وتعتبر هذه العملية بمثابة سيطرة محكمة على الخيل، فبعد الإشارة النهائية بإطلاق الرئيس طلقة من بندقيته التقليدية، يطلق الخيالون النار دفعة واحدة بشكل جماعي في نهاية عرض ساحر، ثم يعودون بعدها إلى نقطة الانطلاق ليكرّروا العملية من جديد، ويستعرضوا مهاراتهم أمام الجمهور. وخلال تلك الطلقات تعلو تصفيقات وزغاريد الجمهور كلما كانت نيران البنادق متوافق بعضها ببعض، معجبين أيما إعجاب بهذا الاستعراض الفروسي، الذي يسميه البعض التبوريدة، وآخرون لعب البارود، أو الباردية… لكن أغلب هذه التسميات تشتق من الكلمة العربية “البارود”، كما تتمتع باسم أمازيغي وهو “تغزوت”، ويعني “المحرك” الذي سبق شرح معناه أعلاه.
ويتطلب فن “التبوريدة” تدريبا جيدا ومتواصلا قبل الخروج من أجل الاستعراض، إذ يتم خلال الحصص التدريبية ترويض الجواد على كيفية ولوج الميدان والعدو في تناسق تام مع باقي الأحصنة. وينبغي الاهتمام والحفاظ على اللياقة البدنية للحصان، عن طريق ترويضه باستمرار، وترتيب برنامج مضبوط وصارم من العلف والتدريب والغسل.
علاقة المجتمع المغربي اليوم بالخيل … معرض الفرس مثالاً
عند إلقاء نظرة قريبة على سكان القبائل البدوية في المغرب، نجدها لا زالت تحافظ على علاقتها بالفرس، إذ لا زالوا يعتمدون عليها في الأشغال المرتبطة بالفلاحة والزراعة… بل ويقيمون إحياء مراسيم الاحتفال والاعتزاز بهذه العلاقة التاريخية طيلة السنة، وذلك من خلال العديد من الأنشطة المتعلقة بفن الفروسية في مجموعة من مناطق المغرب.
ويأتي معرض الفرس من أجل تعزيز هذه الاحتفاليات وإسهاب مجال المشاركين من مختلف مناطق المغرب، فهو حدث فني وثقافي من غاياته التعريف بالتراث المغربي في مجال الفروسية، ويمثل مناسبة لتدعم وتحفيز سلسلة تربية الخيول في المغرب. ويُقام هذا الحدث في مدينة الجديدة تحديدا في شهر أكتوبر من كل سنة، ويسهر على تنظيمه أعضاء جمعية معرض الفرس. وعند الرجوع إلى تاريخ النسخة الأولى من هذا المعرض نجدها في سنة 2008 والتي تم تأسيسها بمبادرة ملكية سامية.
يعد معرض الفرس من بين أهم المهرجانات الثقافية المرتبطة بالفرس التي تقام في قارة أفريقيا والشرق الأوسط، إذ يعرف تنظيم مجموعة من المسابقات الوطنية والدولية، وكذا برامج تشمل أنشطة ترفيهية وثقافية وأخرى فنية، بالإضافة إلى ندوات علمية خاصة بالفروسية، ويعتبر هذا المعرض فضاءً لإبراز الحرف المغربية التقليدية أيضا كالحياكة والنسيج والنقش.. وإن كان الهدف الأساس هو التعريف والتعزيز بتاريخ الفرس ومشاركاته المتنوعة العسكرية منها والترفيهية.
يفتح معرض الفرس الباب على مصراعيه في وجه مجموعة من الدول للمشاركة في إطار التعريف بهذا الإرث الثقافي عالميا. ويرجع سبب تنظيم هذا المعرض في شهر أكتوبر بالذات، توافقا مع العرف المحلي الذي ينص على إقامة احتفاليات فن الفروسية بعد نهاية الموسم الفلاحي، الموسم الذي يعني الكثير للفلاح ويمثل رمزا للبركة والتيسير بالنسبة إليه. وبخصوص الاختيار الذي وقع على مدينة الجديدة تحديدا، فذلك لكونها الممثل الأول لمنطقة دكالة؛ المنطقة تاريخية المشهورة بعشق ساكنتها لفن التبوريدة، فهي مدينة تضم عددا كبيرا من الفرس والفرسان. ففي أريافها 15,000 فارس يقومون بأنشطة الفروسية عبر مجموعات، و160,000 رأسا من الخيول، بالإضافة ـّإلى 60 مركزا لتحسين نسلها.
وغير ذلك، يشتد اهتمام المغاربة بفن التبوريدة خلال فصل الصيف كثيرا، فنجد العديد من الحفلات والمهرجانات والمواسم التي تفوق مائة موسم موزعة بين مختلف مناطق المغرب، حتى يكاد هذا الفن الفرجوي التراثي يكون البصمة المميزة لهذه الاحتفالات.