يسدل الستار نهاية الأسبوع الجاري على منافسات كأس العالم للسيدات المقامة الحالية في أستراليا ونيوزيلندا، والتي كانت بوابة فتحت أعيننا على تطور كرة القدم النسائية في السنوات الأخيرة. والتي أصبحت تحضى باهتمام أكبر سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
في هذا الملف، سنحاول تسليط الضوء على التحديات والعقبات التي ما زالت تواجها كرة القدم لدى السيدات مقارنة بنظيرتها عند الرجال.
مفارقات إصابات الرباط الصليبي بين الذكور والإناث
تتعرض لاعبات كرة القدم إلى الإصابة بتمزق الرباط الصليبي الأمامي من اثنين إلى ثمان مرات أكثر من اللاعبين الذكور. وذلك نتيجة لعدة أسباب، نذكر منها؛ الفروق الفيزيولوجية بين تكوين الرجل والمرأة. فالرباط الصليبي الأمامي عند المرأة يميل إلى أن يكون أصغر، والشق الموجود في عظم الفخذ الذي يمر عبر الرباط الصليبي الأمامي أضيق. مما يترك مساحة أقل لتحرك الرباط الصليبي الأمامي وهذا يؤدي إلى زيادة احتمال الاصطدام به، وبالتالي خطر الإصابة.
كما أن كثرة المباريات وقصر وقت التعافي بينها يساهمان في الإصابة، إضافة إلى نقص المرافق والتأهيل مقارنة بكرة القدم عند الرجال. وحسب الطبيبة أوكهولم كريجر، فإن الأندية تعرف أن إصابات الرباط الصليبي الأمامي هي “أكبر مشكلة في كرة القدم النسائية في الوقت الحالي بسبب وقت التعافي والتأثير المحتمل على المدى الطويل على مهنة اللاعبة “.
يظن العديد من الأطباء الرياضيين أن الدورة الشهرية قد تجعل الإناث أكثر عرضة للإصابة في أوقات معينة. وذلك عندما يكون هرمون الأستروجين مرتفعًا جدا. والذي يحدث عادةً في الأسبوع الثاني من الدورة الشهرية. حيث يمكن أن يؤثر على استقرار المفاصل، مما يجعلها أكثر مرونة وتراخيا. وأكدت الطبيبة “أوكهولم كريجر” على أن هناك نقصا في الأبحاث عالية الجودة لدعم ما إذا كان هناك علاقة بين الدورة الشهرية وخطر تزايد الإصابة في الرباط الصليبي الأمامي: “الأمر صعب للغاية لأنك تحتاج إما إلى عينات دم باستمرار أو لعاب”.
إصابة الرباط الصليبي … طريق الشفاء الشاق والطويل
عرفت كأس العالم بأستراليا ونيوزيلاندا غياب العديد من اللاعبات الكبار عن النهائيات، عقب إصابتهن بتمزق الرباط الصليبي. من بينهن، الإنجليزيتين ليا ويليامسون وبيث ميد، والهولندية فيفيان ميديما، والفرنسية ماري أنطوانيت كاتوتو، والكندية جانين بيكي، والأمريكيتين كريستين برس وكاترينا ماكاريو.
يعتبر التعافي النفسي من الإصابة أكبر تحد تواجهه اللاعبات، إذ نُشرت دراسة بخصوصه في شتنبر 2020، أجريت من قبل الرابطة الوطنية للمدربين الرياضيين، على مجموعة طلاب رياضيين مكونة من اثنا عشر ذكرا وثلاث عشرة أنثى في المرحلة الثانوية، سبق أن أصيبوا بتمزق الرباط الصليبي الأمامي. وتمت مقابلة المشاركين قبل تصريح الطبيب بالعودة إلى النشاط الرياضي. ثم تم تحليل المقابلات المكتوبة باستخدام ترميز موضوعي استنتاجي لخمسة مواضيع رئيسية تمثلت في الضيق النفسي، والكفاءة الذاتية، وموقع السيطرة، والهوية الرياضية، والخوف من الإصابة مرة أخرى.
وبعد إجراء مقارنات بين الجنسين، أبان المشاركون عن خوف مشترك من الحركة وفقدان الهوية الرياضية والعقليات التحفيزية للعودة إلى ممارسة الرياضة. أما عن الاستجابة النفسية للكفاءة الذاتية وموقع السيطرة التي واجهها الجنسان فقد اختلفت فيما بينهما. فبينما استمد الذكور إحساسهم بالكفاءة الذاتية من خلال التحفيز الداخلي، أعطت الإناث قيمة أكبر للدعم الخارجي.
وبخصوص استجابتهم للضائقة النفسية، فقد كان تركيز المشاركين الذكور على القيود الجسدية والاجتماعية. بينما راقبت المشاركات الإناث عن كثب عواطفهن خلال فترة الشفاء وتأثرن بتقلبات إعادة التأهيل. أما عن الخوف من الإصابة مرة أخرى، فقد توجه خوف الإناث نحو الأنشطة اليومية، وتركز خوف الذكور حول الحركات الرياضية التي من المحتمل أن تسبب إصابة ثانية.
وتتابع صفحة على تويتر تسمى “نادي كرة القدم النسائي للرباط الصليبي الأمامي” أو “ACL Women Football Club” هذه الإصابات عن كثب من خلال توثيف جداول تحمل أسماء 195 لاعبة، أصبن بتمزق الرباط الصليبي الأمامي، وتواريخ إصابتهن وعودتهن المرتقبة إلى الملاعب. وعلى الرغم من أن مدة التعافي قد تعتمد على شدة الإصابة وظروفها، إلا أن مدة الشفاء الجسدي التام من الإصابة غالبا ما تستغرق من ستة أشهر إلى اثني عشر شهراً.
ألكسيا بوتياس … الكرة الذهبية التي خفت بريقها في مونديال 2023
تعد ألكسيا بوتياس، نجمة برشلونة ومنتخب إسبانيا، من أفضل مواهب كرة القدم النسائية. حيث فازت بجائزة الكرة الذهبية مرتين على التوالي، لتدخل بذلك بوابة التاريخ.
لكن إصابتها بتمزق الرباط الصليبي الأمامي بركبتها اليسرى العام الماضي، أياما قبل انطلاق كأس أمم أوروبا 2022، لا يزال تأثيرها يتجلى حتى يومنا هذا. وهي التي لم تقدم مستوياتها المعتادة وبدأت من دكة البدلاء في معظم مباريات كأس العالم الحالية باستثناء مباراة نصف النهاية أمام السويد والتي استبدلت فيها بعد ساعة من اللعب وسط استيائها الظاهر والذي شكل عنوانا بارزا في صحف إسبانيا.
استغرق تعافي ألكسيا التام تسعة أشهر، لتعود للمربع الأخضر في أبريل من العام الجاري في إحدى مباريات برشلونة المتوج بلقب الليغا ودوري أبطال أوروبا.
الجهود المبذولة حتى الآن … ما المطلوب أكثر؟
يعد الدكتور أندرو غرين، المحاضر الأول في الميكانيكا الحيوية بجامعة روهامبتون، من أشد المدافعين عن محاولة تنفيذ برامج الوقاية من الإصابات في أندية كرة القدم النسائية. وذلك قبل أن يصبح أيضًا رئيسًا للأداء في نادي كريستال بالاس للسيدات.
اتصل الدكتور بكل أندية البطولة الإنجليزية وبعض فرق دوري كرة السلة للسيدات حول تنفيذ برنامج عصبي عضلي، يهدف إلى استهداف نقاط الضعف لدى الرياضيات. قال الدكتور غرين أنه إذا تمكنا من العودة خطوة إلى الوراء والتأكد من أن الرياضيات أكثر استعدادًا لشدة اللعبة وأنهن معتادات على التوقف والبدء وتغيير الاتجاه في بيئة خاضعة للرقابة، فإن تلك القدرات الأساسية موجودة وستساعد في تثبيت المفاصل وتقليل المخاطر. كما صرح الدكتور غرين أن الوصول إلى صالة الألعاب الرياضية خلال البطولة محدود للغاية بالنسبة للاعبات مشيرا أن الاعتماد على برنامج رياضي مرة واحدة في الأسبوع ليس كافيا.
إن أول خطوة لتغيير مسار الإصابات في الكرة النسائية هي البحث المعمق عن أسبابها. وجمع البيانات الكبيرة قد يكون أهم نقطة في هذه الخطوة لدراسة المشكلة. ورغم انتشار الإصابة بين اللاعبات فهي غالبا ما تكون محدودة أو مقتصرة على نادٍ واحد، وهي بيانات غير كافية للدراسة.
بعيدا عن الإصابات … هوة الجوائز المالية بين كرة القدم الرجالية والنسائية
تقاضت لاعبات كرة القدم النسوية بكأس العالم 2019، التي احتضنتها فرنسا، ما يقارب ثمانية سنتات مقابل دولار لما يتقاضاه اللاعبون الرجال. هذا التمييز الجنسي لم يكن خارجا عن المألوف فيما يخص الدعم التي تتلقاه الرياضيات بشكل عام.
وهو تمييز استمر لسنوات طوال، وناضلت من أجله الرياضيات منذ عام 1995، حين خاضت لاعبات المنتخب الأمريكي إضرابا قبل الفوز بالميدالية الذهبية في أولمبياد أطلانطا.
وبعد الدعوى القضائية التي رفعتها ثمانية وعشرون لاعبة من المنتخب الأمريكي سنة 2019 عقب تتويجهم أبطالا للعالم، ارتفعت قيمة الجائزة المالية إلى خمس وعشرين سنتا مقابل دولار واحد مقارنة بالجائزة المخصصة للرجال في الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم أن النتيجة لازالت بعيدة كل البعد عن الإنصاف والعدل بين الجنسين، إلا أن القيمة التي وصلت إليها الجائزة المالية في ارتفاع متواصل بفضل الاحتجاجات والإضرابات التي تخوضها اللاعبات من مختلف المنتخبات والاهتمام المتزايد بتسويق كرة القدم النسائية من طرف المشرفين عليها.
أدا هيغيربيرغ … حين اعتزلت نجمة الرياضة من أجل القضية
أدا هيغيربيرغ، أفضل هدافة في تاريخ دوري أبطال أوروبا للسيدات وأول فائزة بجائزة الكرة الذهبية للسيدات في عام 2018. اضطرت بدورها للابتعاد عن اللعب الدولي بعد بطولة أوروبا في عام 2017. وكان سبب ابتعادها الاحتجاج على عدة قضايا، منها عدم المساواة بين الجنسين في رياضة كرة القدم من الناحية المادية، وأيضا سوء تدبير المرافق. آنذاك كانت تضطر اللاعبات إلى الانتظار لاستخدام الملاعب، كما اشتكت من تأخر وصول الأحذية للبطولات وفي مقاسات غير مناسبة، وكان يتعين على فريق سيدات النرويج التدريب على ملعب ذو جودة سيئة مقارنة بنظرائهن من الرجال.
بعد نقاشات طويلة مع مدير منتخب النرويج عادت أدا للعب في أبريل 2022، وهي متحمسة للعب من جديد مع منتخبها النرويجي، وأيضا لإلهام الشباب الرياضي.
إن مشوار النساء الرياضيات لأخذ حقهن الكامل ما زال طويلا، فرغم النضالات السابقة والتنديد بالتمييز الجنسي، إلا أن الإنجازات التي وصلن إليها ما تزال متواضعة، ولا تقارن بما يحققه الرجال على جميع الأصعدة، المادية منها والمعنوية. لكن التغيير لن يحدث من تلقاء نفسه، ولن يسلط الاهتمام على الرياضة النسائية بمحض الصدفة، لكن التغيير سيكون بتكثيف الأصوات وتوحيد القضية.