نرى أن توجه الغالبية في اختيار أفلامهم يكون نحو أفلام الأكشن والإثارة أو الرعب، خصوصاً أن السينما الأميركية هي الطاغية على كل العالم. ونرى أنّ غالبية الأفلام الأجنبية تتمحور حول هذا النوع بالخصوص.
وبتنا نلاحظ أنّ الأهل لم يعد لديهم مشكلة بتوجه أطفالهم إلى السينما ومشاهدة فلم رعب أو أكشن. على اعتبار أنّه فقط للتسلية وأفضل من أن يشاهد فيلماً رومانسياً يحتوي على مشاهد تخل بالأخلاق وتفسدها. لكن، في الواقع أفلام الرعب والأكشن ستفسد المشاهد حتماً سواء نفسيّاََ، أو جسديّاََ، أو أخلاقيّاً.
مشاهد الأكشن والإثارة تؤثر بشكل كبير على الحالة النفسية للمشاهد نظرًا لأنها تحفز مجموعة من الأحاسيس والمشاعر القوية، مثل الحماس والخوف والتشويق والتوتر، والإثارة، والقلق، والانفعال. وتختلف هذه الأحاسيس والمشاعر بشكل كبير من شخص إلى آخر. مما يعني أنها مشاهد تؤثر بشكل مختلف على الأفراد وفقًا لخبراتهم السابقة ومستوى تحملهم للضغط والتوتر.
التأثيرات الأخرى لهذه الأفلام على النفس
يُمكن أنّ تؤدي هذه الأفلام إلى زيادة العدوانية لدى متابعيها، بالإضافة إلى خسارة الثقة بالنفس، والاستمتاع بإيذاء مشاعر الآخرين. وتعتمد هذه الأفلام على الحيل النفسية لإعطاء المشاهد جواً من التشويق والإثارة، وذلك من خلال التلاعب بالأصوات، والصور. وعلى الرغم من ذلك، فالعقل يُدرك أنّ هذه التهديدات ليست حقيقية، لكن جسم الإنسان يُسجلها كما لو كانت كذلك، فعِند مشاهدة أفلام الرُعب يتم إفراز هرمون الكورتيزول وهرمون الأدرينالين من الجهاز العصبي اللاإرادي، ومن استجابات الجسم الفسيولوجية لهذه الهرمونات، اتساع حدقة العين، وزيادة معدلات نبضات القلب، وغيرها.
مخاطر مشاهدة أفلام الأكشن والإثارة على الأطفال
- المفهوم الخاطئ للعنف وللخير والشر
في بعض البرامج التلفزيونية المخصصة للأطفال، ونخص هنا بالتحديد أفلام الكرتون وأفلام الخيال العلمي والأكشن. نرى الضحية وهي تقوم للسير بعد تعرّضها للعنف مباشرة، دون أن تظهر عليها علامات الإصابة بالأذى. وهذا من شأنه أن يرسّخ لدى الأطفال اعتقادا خاطئا مفاده؛ أن العنف غير مؤذ.
- تجاهل القوانين
الأشخاص الذي يقومون بالأعمال العنيفة في أفلام الأكشن وفي أفلام الكرتون، في الكثير من الأحيان لا ينالون العقاب على فعلتهم، بل إنهم يتمكنون من الهرب أو يظهرون كأبطال في نهاية المطاف. هذا أيضاً من شأنه أن يجعل الأطفال يعتقدون أن العنف والأذية لا يستوجبان عقاباً وأنه بإمكانهم أن يقترفوا الأفعال العنيفة وأن يفرّوا بفعلتهم.
- المثال الأعلى السيء
تقوم العديد من أفلام الأكشن بترسيخ فكرة أن الشخص من حقه أن يأخذ حقه بيده. أي أنه من المسموح أن يثأر ممن يسبب له الأذى أو الإزعاج. وهذا بإمكانه أن يجعل الطفل يتصرّف بهذه الطريقة في طفولته وفي حياته المستقبلية إذا لم يتم تصحيح هذا الاعتقاد لديه.
من ناحية أخرى، يبادر بعض الأطفال إلى تقليد أبطال الكرتون المفضلين لديهم مثل سوبرمان مثلاً، وذلك يعرضهم ويعرض من حولهم إلى مخاطر عديدة قد تصل إلى إيذاء النفس والغير.
- التصرفات العدوانية
أجريت العديد من الدراسات حول تأثير المشاهد التي تعرضها وسائل الإعلام على سلوكيات الأطفال. وقد خلصت معظمها إلى أن الذين يشاهدون الأفلام المليئة بمشاهد العنف، تصبح لديهم الكثير من التصرفات العدوانية في المدرسة ومع الأهل وفي محيطهم، ويظهر ذلك بشكل جلي خلال مراهقتهم.
- اللامبالاة والتبلّد
المشاهد التي تبثّها التلفزيونات اليوم حول الحروب والمجازر والكوارث الطبيعية والتي يسمح الأهل لأطفالهم بمشاهدتها. من شأنها أن تولِّد لدى هؤلاء الأطفال شعوراً بالتعوّد على هذه المناظر العنيفة والمؤلمة. فيشاهدونها من دون أن ترف لهم عين. وذلك أيضاً يؤدي إلى عدم تأثرهم بالمآسي التي تصيب من هم حولهم. تقسّي قلوبهم، وتخلق لديهم الشعور باللامبالاة أمام القضايا الإنسانية بدل استنكار العنف والظلم.
- اضطرابات النوم
من الممكن أن تسبب المشاهد العنيفة إلى تعرض الأطفال إلى الكوابيس في الليل. وإلى حرمانهم من النوم المريح مما يخلق لديهم مخاوف غير ضرورية ممكن أن تتطوّر إلى مشاكل أكثر خطورة مثل رهاب الانفراد أو غيره.
- الهوس بالجريمة بين الترفيه والعواقب
وفقا للإحصاءات، فإن 80% من مواليد الألفية الثانية مهوسون بدراما القتلة المتسلسلين. حتى إن المسؤولين عن منصة “نتفليكس” أفادوا بأن المسلسل القصير “دامر- الوحش: قصة جيفري دامر” والمبني على قصة القاتل المتسلسل جيفري دامر، هو ثاني أكثر إصداراتها شعبية على الإطلاق، إذ شاهدته ما يقارب 56 مليون أسرة.
وعلى اختلاف الدوافع النفسية التي قد تدفع الجمهور للمتابعة، يظل أكثر ما يُقلق الأطباء هو تأثير الاستمرار بمشاهدة هذا النوع من الدراما سواء على الصحة العقلية أو النفسية للمتفرج، لما في ذلك من أضرار جسيمة.
- تعزيز القلق
حسب آراء المتخصصين فإن المُتابع الذي يعاني بشكل مُسبق من القلق أو الاكتئاب، سيضاعف الإفراط بمشاهدة دراما الجريمة واللقطات الدموية المروعة لديه تلك المشاعر بالإضافة إلى إصابته بالتوتر المستمر والعصبية الحادة.
- بين التأهب الشديد واليقظة المفرطة
من المشاعر السلبية الأخرى التي قد تنتاب المهووسين بالجريمة، الخوف الذي إذا تضاعف قد يصل إلى البارانويا أو نوبات الهلع بجانب التأهب الشديد واليقظة المفرطة. حتى إن البعض قد يُصابون بالخوف من الخروج ويعتكفون في المنزل مُستمرين بالتحقق من غلق الأبواب والنوافذ طوال الوقت. بينما يقوم آخرون بمراقبة كل ما حولهم بحثا عن أي علامات تدل على احتمالية وجود مجرمين في الأنحاء أو يتجنبون بعض الأماكن لا لشيء سوى أنها تُشعرهم بعدم الارتياح وتثير داخلهم الريبة والشك، خوفا من أن يكونوا هم الضحية القادمة.
- أعراض جسمانية أخرى
بجانب كل ما سبق، أحيانا تظهر بعض الأعراض الجسمانية من بينها: ارتفاع ضغط الدم، ضربات قلب سريعة، فرط التنفس، وانخفاض الاستجابة المناعية.
وعدا عن مخاطر أفلام الرعب والأكشن والمخاطر التي تسببها على كلا الأطفال والبالغين، يُمكن أن تُسبب أيضاً الإصابة بمرض اضطراب ما بعد الصدمة ((Post Traumatic Stress Disorder) وهو مرض نفسي يُصيب الإنسان بحيث يُصبح قادراً على تجربة أو مشاهدة نفس الأحداث المُرعبة مراراً وتكراراً.
إيجابيات مشاهدة أفلام الرعب والأكشن
على الرغم من سلبيات مشاهدة أفلام الرعب والأكشن إلاّ أنّه يوجد البعض من الآثار الإيجابية لها، ومنها:
- الاستمتاع والتسلية والترفيه عن النفس
- إمكانية إيجاد فرصة لمواجهة المخاطر والإحساس بالشجاعة لدى بعض الأشخاص عن طريق مقاومة المشاهد المرعبة
- مصدر للتنفيس النفسي
كما أظهرت دراسة أمريكية، أن متابعة مشاهد العنف الدموية في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية تساعد على زيادة الانتباه والتركيز.
وأجرت الباحثتان بريدجيت روبينكنغ من جامعة فلوريدا وآني لانج من جامعة إنديانا، مجموعة من الأبحاث على 120 متطوع طلب إليهم متابعة 3 أنواع من المشاهد المقززة، تتعلق بالسلوك الاجتماعي ومخلفات الجسم وحوادث القتل ومشاهد الدم، بحسب ما أوردت صحيفة دايلي ميل البريطانية.
وبعد ذلك أجرت الباحثتان اختبارات على الذكريات التي خلفتها هذه المشاهد على المتطوعين، وذلك لمعرفة الاختلافات بين هذه الذكريات والنشاط الفسيولوجي المصاحب لكل منها، ومقارنتها مع القياسات التي أخذت قبل مشاهدة المقاطع.
وأظهرت نتائج الدراسة التي نشرت في مجلة “كوميونيكاشين” أن المشاهدين الذين تابعوا مشاهد اجتماعية منفرة، كانت استجابتهم بطيئة بالمقارنة مع الذين تابعوا مشاهد مثيرة للاشمئزاز تتضمن حوادث قتل ورعب ودماء، والذين كانت استجابتهم فورية وأظهروا ردود فعل دفاعية تجاه هذه المشاهد.
كما بينت الدراسة أن المشاهد الدامية ساعدت المشاهدين على نسيان ما قبلها والتركيز عليها، وتناقصت لديهم معدلات ضربات القلب مع مرور الوقت، مما يعني أنهم أصبحوا أكثر قدرة في التركيز على المحتوى، كما أظهروا تحسناً ملحوظاً في الذاكرة أثناء وبعد متابعة المشاهد الدموية.
يعتقد العلماء النفسيون أن مشاهد الأكشن والإثارة تنشط الجهاز العصبي المحفز للتفريغ الهرموني، مما يؤدي إلى إطلاق هرمونات الأدرينالين والنورإبينفرين، وهي الهرمونات التي تشعرنا بالتوتر والقلق والخوف والاندفاع، كما يزيد إطلاق الأدرينالين من تعزيز خوارزميات الرد القتالي أو الهروب في الجهاز العصبي الذي يؤدي إلى تحفيز حدود الجرعات المرهقة من الهرمونات الستروئيدية التي تبقينا مركزين ومنتبهين لفترة أطول، مما يزيد من إحساسنا بالنشوة والحماس والرغبة في المغامرة والتحدي. وبسبب ذلك، يفضل كثيرون مشاهدة هذه الأفلام والبرامج التلفزيونية للشعور بالتحفيز والإثارة والتحدي.
نصائح المتخصصين
يختلف رد فعل كل فرد تجاه ما يشاهده بما يتفق مع خلفيته وماضيه وحالته المزاجية، لكن بكافة الأحوال ينصح المعالجون أن يتجنب مرضى الاكتئاب والقلق مشاهدة العروض المعنية بالجرائم خاصة الحقيقية، وإن كان لابد من فعل ذلك فليكن بحذر ودون مبالغة لعدم الضغط على عقولهم وأجسادهم.
نصائح عامة للتخفيف من آثار أفلام الرعب والأكشن
- اختيار نوع الفيلم المناسب: من المهم تحديد نوع الفيلم الذي يُفضله المشاهد ويناسب المستوى الذي يستطيع التعامل معه وتحمله، إذ تتعدد أنواع أفلام الرعب فمنها الدموية، ومنها الشعوذة، ومنها خوارق الطبيعة، وغيرها
- الحذر من إكثار المشاهدة: إذ يجب تجنب مشاهدة الأفلام المُرعِبة بكثرة؛ لأنَّ ذلك قد يكون يؤدي إلى التعرض للعديد من الأمور السلبية، مثل؛ الشعور بالقلق، وقلة النوم، وإهمال الدراسة أو العمل، وغيرها.
- أخذ استراحة أثناء المشاهدة: يوجد بعض المشاهد في أفلام الرعب غير المريحة لدى بعض الأشخاص، لذا يُنصح بأخذ استراحة خلال مشاهدة الفيلم بهدف إراحة النفس والتخفيف من التوتر.
- المشاهدة مع الأصدقاء: يُمكن مشاهدة أفلام الرعب مع الأصدقاء أو العائلة، إذ تُساهم المشاهدة مع الآخرين في الشعور بالراحة والأمان.
- ترك الأنوار مُضاءة: إذ يمكن أنّ يُساعد الأشخاص الذين يعانون من الخوف الشديد من الليل أو رهاب الخوف عند مشاهدتهم الأفلام الرعب.