ساهم التغير التكنولوجي في حياتنا اليومية في عزوف العديد من الأشخاص على القراءة وشراء الكتب. إذ أصبحت المكتبات مكانا منسيا يزوره فقط قلة قليلة من محبي المطالعة. لكن هذا التغير لن ينسي القراء الذين لم تؤثر فيهم نقرات الإعجاب في مؤلفين وأدباء عرب أصحاب البصمة الخاصة في تاريخ الأدب العربي. والذين لازال صيتهم ساطعا إلى يومنا هذا. فمن هؤلاء الأدباء؟ وكيف كانت بداياتهم مع الكتابة؟
نفتتح مقالنا بالأديب والشاعر العربي القديم “أحمد شوقي”، والذي يطلق عليه لقب “أمير الشعراء”، ولد في السادس عشر من شهر أكتوبر سنة 1868 بحي الحنفي أحد أقدم الأحياء بالقاهرة.
طفولة أحمد شوقي وسط قصور مصر
كان أحمد وحيد والديه اللذين يحملان أصولا مختلطة. إذ يرجع أصل والده إلى الأكراد، أما والدته فكانت تحمل أصولا يونانية تركية. يقال إن أحمد شوقي نشأ بقصر اسماعيل الخديوي حاكم مصر، رفقة جدته التي كانت وصيفة فيه. إذ كبر في أحضان الثراء والسلطة. لكن هذا لم يمنع والده من إدخاله لكتاب الشيخ صالح وهو يبلغ من العمر أربع سنين فقط.
ورغم التحاقه بالكتاب في سن صغير جدا، إلا أنه حفظ قدرا من القرآن الكريم وتعلم أساسيات القراءة والكتابة، الشيء الذي ساعده في إحراز نتائج جد مرضية خلال التحاقه بالمدرسة الابتدائية “المبتديان”.
أحمد شوقي عاشق للأدب منذ صغره
اهتمام أحمد شوقي بالشعر والأدب كان واضحا منذ نعومة أظافره. إذ ظل باستمرار يبحث عن الدواوين الشعرية لأشهر الشعراء آنذاك، وحفظهم عن ظهر قلب. ليتأثر بذلك في كلامه يوما بعد يوم.
اختار شوقي دراسة القانون منذ سنة 1885 إلى 1887، والتحق فيما بعد إلى مونبلييه لإكمال دراساته الحقوقية. وخلال تواجده بفرنسا انفتح شوقي على الأدب الفرنسي وصار يقرأ كثيرا لفيكتور هيغو، الشيء الذي جعل شغفه بالأدب في تزايد كبير.
اعتلاء أحمد شوقي مناصب مهمة
بعد رحلته الشيقة إلى فرنسا، والتي تعلم منها الكثير من الأمور. عاد شوقي إلى القاهرة سنة 1891، ليجد الخديوي عباس حلمي يعتلي عرش حكم مصر. وبحكم علاقته الوطيدة مع عائلة الخديوي، تمكن من شغر منصب رئيس قلم في ديوان حاكم مصر. وكذا مثل الحكومة المصرية في مؤتمر جنيف للمستشرفين.
لم ينس أحمد شوقي يوما اهتمامه الكبير بالشعر. إذ رغم عمله بمناصب مهمة إلا أنه ظل دائما يفكر ويصقل موهبته الأدبية والشعرية. الأمر الذي لاحظه كل الأشخاص المقربون له.
أول مخطوطاته الشعرية كانت مديحا في الخديوي عباس حلمي. حيث يقال أنه هو من تكلف برعاية ودراسة أحمد شوقي خارج البلاد، لهذا يكن له كل مشاعر الاحترام والتقدير. وبحكم علاقتهما المقربة، دعم شوقي حاكم مصر الخديوي في صراعه الكبير من الإنجليز بدون خوف. إذ كان يَنظُم قصائد ضدهم وضد من يواليهم. الأمر الذي جعله يُنفى سنة 1914 إلى إسبانيا.
فترة نفي أحمد شوقي
خلال فترة نفيه لم يبتعد أحمد شوقي عن الأدب، بل كان تواجده بإسبانيا فرصة سانحة للانفتاح على الأدب العربي وعن كل ما يتعلق بالحضارة الإسلامية وبتاريخ الأندلس. مما جعله ينظم أشهر وأقوى أعماله “دول العرب وعظماء الإسلام” الذي يعتبر أيقونة تاريخ الأدب والشعر العربي.
ويشمل “دول العرب وعظماء الإسلام“https://www.goodreads.com/ar/book/show/6280950 ما يقارب ألفين بيتا شعريا، مقسمة إلى 24 قصيدة تتحدث عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. وكذا قادة الدول العرب كالأمويين والعباسيين …
العودة إلى أرض الوطن
بعد أربع سنوات من نفيه عاد أحمد شوقي إلى موطنه ليستقبله الشعب بفرحة عارمة، بعدما خاضت الحركة الوطنية صراع تحقيق العدل بعد ثورة 1919. ذهل شوقي بالاستقبال الحافل وفرحة الشعب بعودته، الشيء الذي أثر فيه كثيرا. واختار أن يكون محرر مشاعرهم وآمالهم في التحرر والاستقلال والتعليم عبر أبياته الشعرية ليطلق عليه لقب “شاعر الشعب”.
أعمال أحمد شوقي الأدبية
اشتهر أحمد شوقي منذ القدم بعاطفيته الظاهرة بين أبياته الشعرية، وفصاحة لسانه. مما جعله يصدر عدة مؤلفات شعرية وأدبية لا زالت تقرأ إلى يومنا هذا. كديوان “الشوقيات” الصادر سنة 1926، والذي يشمل أشعارا مختلفة الأغراض كالرثاء والغزل، كما تضمنت بعض أبياته إحياء ذكرى الخالدين من أعلام التاريخ آنذاك.
- كتاب مسرحية “البخيلة” لسنة 1907، التي تجسد الواقع الذي عاشه أحمد شوقي. إذ تتطرق لموضوع المفارقة الطبقية وهي عبارة عن مسرحية بطابع الكوميديا “الملهاة”.
- مسرحية “علي بك الكبير” صدرت سنة 1932، وهي تجسيد لأحد أكبر الشخصيات التاريخية بتاريخ مصر. إذ استطاع أن يصل إلى منصب شيخ البلد، وعزل الوالي العثماني على مصر. وحقق عدة إنجازات سياسية حسبت له آنذاك.
كما أن له عدة أعمال أدبية أخرى كمسرحية “مصرع كليوباترا” التي تتحدث عن ملكة مصر المعروفة تاريخيا ب “كليوباترا السابعة”. ومسرحية “مجنون ليلى” التي تناولت القصة الحقيقية المأساوية لقيس بن الملوح أحد أكبر الشعراء، وليلى السيدة التي كان متيما بحبها.
عُرف أحمد شوقي بإبداعه اللامتناهي في الأدب والشعر وهذا واضح على استمرار ترديد أشعاره رغم مرور سنين عدة. كقصيدة “مضناك جفاه مرقده” بمقام الحجاز والتي غناها نخبة من الفنانين العرب من أبرزهم المغني والملحن الراحل “محمد عبد الوهاب”.
مُضناكَ جَفاهُ مَرقَدُهُ – وَبَكاهُ وَرَحَّمَ عُوَّدُهُ
حَيرانُ القَلبِ مُعَذَّبُهُ – مَقروحُ الجَفنِ مُسَهَّدُهُ
وجذير بالذكر أنها لا زالت حاضرة إلى يومنا هذا وهي من بين أصعب القصائد غناءً ومقاماً.
وفاة أحمد شوقي
توفي أمير الشعراء في 14 من أكتوبر سنة 1932 بعدما ترك خلفه وصية كتابة بيتين شعريين من قصيدة “نهج البردة” على قبره:
يا أَحمَدَ الخَيرِ لي جاهٌ بِتَسمِيَتي – وَكَيفَ لا يَتَسامى بِالرَسولِ سَمي
إِن جَلَّ ذَنبي عَنِ الغُفرانِ لي أَمَلٌ – في اللَهِ يَجعَلُني في خَيرِ مُعتَصِم