تشير الأبحاث الحالية في مجال الطب النفسي الغذائي إلى أنّ نظامنا في تناول الطعام يمكن أن يؤثر على صحتنا العقلية والعاطفية، لذلك فإن الطعام الذي يحافظ على صحة وتنوع ميكروبات الأمعاء لدينا يحمينا من الاكتئاب ويعالج منه في حال الإصابة، ومن المهم الإشارة إلى أن ميكروبات الأمعاء تتشكل خلال الوراثة والغذاء والبيئة وتتأثر باستخدام الأدوية وتختلف من شخص لآخر.
تؤكد وتتفق الدراسات والأبحاث في مجال التغذية والتغذية العلاجية على أن ما نتناوله يؤثر مباشرة على بنية أدمغتنا ووظائفها المختلفة، وبالتالي على مزاجنا وصحتنا النفسية. فالجهاز الهضمي ليس مسؤولا فقط عن هضم الطعام، بل يساعد أيضا في تنظيم المزاج؛ بحيث تُنتَج غالبية النواقل العصبية المسؤولة عن ضبط الحالة النفسية في الجهاز الهضمي مثل السيروتونين والدوبامين والتي تنتقل إلى الدماغ عبر إشارة حيوية تسمى بالمحور الدماغي المعوي.
وبحسب خبيرة التغذية والتغذية العلاجية سونال شاه، فإن “الأمعاء هي الدماغ الثاني” ولذلك يجب علينا اعتماد نظام غذائي صحي ومتكامل والابتعاد عن العادات الغذائية المؤذية.
الأطعمة المؤذية والمفيدة
وفقا لسونال هناك أنواع من الأطعمة يجب أن نتجنبها قدر الإمكان وهي تلك “الغنية بالدهون المشبعة والمواد الغذائية المصنعة كالزبدة واللحوم المصنعة والسكر المكرر”، أما الأطعمة المفيدة التي قد تلعب دورا كبيرا في تحسين صحتنا الجسدية والنفسية على حد سواء فهي “الخضروات والفواكه والسمك والأغذية الطبيعية غير المصنعة قدر الإمكان فهذه الأطعمة تحمي أدمغتنا”.
الحمية المتوسطة الصديقة للأمعاء نصح بها عالم الأوبئة والوراثة تيم سبكتور الأعشاب والتوابل مثل الثوم، الريحان، نعناع، إكليل الجبل، المرمية، القرفة، الفلفل. الفواكه والخضار مثل الطماطم، البروكلي، اللفت، السبانخ، البصل، القرنبيط، الجزر، الخيار، البطاطس، التين، البطيخ، البرتقال، الفراولة، العنب، التمر، الخوخ والأفوكادو. المكسرات مثل اللوز، الجوز، البندق، الكاجو، بذور عباد الشمس، بذور اليقطين، زبدة اللوز، وزبدة الفول السوداني. البقوليات مثل الفول، البازلاء، العدس، الحمص، الفول السوداني، والحبوب الكاملة مثل الشوفان، الارز البني، الشعير، الذرة، القمح الكامل والحنطة السوداء.
الفرق بين الكربوهيدرات
الرغبة في المحافظة على الوزن والشكل المثالي قد تشكل حافزا كبيرا لاتباع نظام غذائي محدد يدفع لانتقاء الوجبات بحذر واستبعاد الكثير من الأغذية التي تسبب السمنة مثل الكربوهيدرات. لكن وفقا لسونال، قد تكون هذه إحدى أكثر العادات الغذائية ضررا بالصحة النفسية والجسدية معا وتحدث غالبا بسبب خلط الأشخاص بين الكربوهيدرات المفيدة والمضرة.
ما لا يميزه الكثيرون بحسب سونال هو أن الكربوهيدرات تقسم إلى قسمين؛ بسيطة ومعقدة، وما يجب علينا فعله هو الابتعاد عن الكربوهيدرات البسيطة فقط. تتلخص مهمة الكربوهيدرات في الجسم “بكونها المصدر الرئيس للطاقة” وفقا لسونال، وهنا يأتي الفرق بين النوعين من الكربوهيدرات. فالجسم يمتص الكربوهيدرات البسيطة بسرعة وبالتالي تتحرر الطاقة سريعا ويرتفع مستوى السكر في الدم، أما الكربوهيدرات المعقدة فهي تحمل فائدة كبيرة؛ حيث يمتصها الجسد ببطء وتطلق الجلوكوز تدريجيا في أجسادنا فتساعد على استقرار مزاجنا. وتكمن خطورة التقليل من الكربوهيدرات المعقدة المفيدة في التسبب باضطرابات نفسية وقلة التركيز وسوء المزاج والشعور بالتعب والإرهاق كما تنخفض نسبة السيروتونين لديهم فيتعرضون للاكتئاب أكثر.
أما إذا كنت من محبي الوجبات السريعة والمشروبات والأغذية السكرية التي تحتوي على الكربوهيدرات البسيطة المضرة، فهذه الأغذية بحسب الدراسات تمتلك تأثيرا مشابها للمواد التي تسبب الإدمان في الدماغ. ووفقا لسونال هناك أطعمة تسمى “بأطعمة المزاج الجيد مثل الشوكولاتة” لكن “تأثيرها قصير المدى وتؤدي كثرتها إلى القلق والتوتر”. وكلما شعرنا بالإحباط أكثر ازدادت رغبتنا بتناول المزيد من هذه السكريات التي تخلق استجابة تشبه الإدمان في أدمغتنا فنشعر بأن مزاجنا يعتدل مباشرة، لكن لا يكاد أن يعود هذا الشعور بالاكتئاب مجددا نتيجة تناول هذه الأطعمة نفسها التي تتسبب بنوع من التهيج أو الالتهاب في الجسد والدماغ فتسهم بشعورنا بالتوتر والقلق ونجد أنفسنا نخوض في دائرة مغلقة.
الدراسات التي أجمعت على ضرورة تناول جميع العناصر الغذائية المفيدة التي يؤثر الحرمان منها بشكل سلبي على صحتك النفسية مثل الدهون غير المشبعة التي يمكن الحصول عليها من زيت الزيتون والأسماك وبعض المكسرات كما أنه من الضروري الحصول على كميات من الفيتامينات المختلفة التي تساعد في إنتاج المواد المساهمة في تحقيق سعادة الدماغ مثل فيتامين ب وفيتامين د.
وإذا كنت من الأشخاص النشيطين في العمل أو الدراسة الذين يؤجلون وجباتهم وينشغلون بالمهام المختلفة، يجب أن تكون أكثر حذرا، فحسب الدراسات كلما تركت جسدك بلا غذاء لفترة أطول ستزداد حاجتك ورغبتك بتناول الأطعمة غير المفيدة كالوجبات السريعة.
في أوائل القرن التاسع عشر رأى جون أبرنيثي وهو طبيب مشهور في لندن أن اضطراب المعدة هو أصل كل الاضطرابات العقلية، فعدة أنواع من البكتيريا تزيد أو تنخفض بشكل ملحوظ لدى الأشخاص الذين يعانون من أعراض الاكتئاب.
نصائح يجب اتباعها
- يجب تناول وجبات منتظمة
يجب تناول ثلاث وجبات يومياً مُتضمنةً وجبة الفطور. وجبة الفطور تعطي الطاقة اللازمة لمواجهة اليوم. لبداية نهار صحي يُنصح بتجريب تناول زبدية كاملة من الحبوب مع بعض شرائح الموز وكوب من عصير الفواكه.عند الشعور بالجوع بين الوجبات يجب تناول وجبة خفيفة صحية كتناول قطعة من الفواكه.
- يجب أكل المزيد من الحبوب الكاملة والفواكه والخضار والفاصولياء والعدس والمكسرات والبذور
هذه الأطعمة هي مصادر جيدة للفيتامينات والمعادن. يجب محاولة تناول خمس حصص على الأقل من مجموعة متنوعة من الخضار والفواكه يومياً.
- يجب أن تكون كل وجبة تحتوي على قليل من البروتين
البروتين ضروري لنمو وترميم الجسم. يمكن الحصول على البروتين من اللحم والسمك والبيض والحليب، والجبنة، والعدس، والفاصولياء.
- يجب تجنب الشعور بالعطش
يحتاج الإنسان لشرب 1.2 ليتر من السوائل في اليوم لمنع حدوث التجفاف. حتى التجفاف الخفيف يمكن أن يؤثر سلباً على المزاج.
من أعراض الجفاف: انخفاض الطاقة والشعور بخفة في الرأس. اكتشف المزيد حول كمية الماء الواجب شربها وأيضاً كيف نختارالمشروبات الأكثر صحة.
- في حال شرب الكحول فيجب شربها بالحدود اليومية الموصى بها
بالنسبة للرجال يجب عدم شرب أكثر من ثلاث إلى أربع وحدات في اليوم. وبالنسبة للنساء يجب عدم شرب أكثر من وحدتين إلى ثلاث وحدات في اليوم. يمكن استخدام حاسبة الوحدات الكحولية لمعرفة كمية الوحدات الكحولية الموجودة في الأنماط المختلفة من المشروبات الكحولية. يجب عدم شرب الكحول في حال تناول مضادات الاكتئاب.
عند إجراء تغييرات في النظام الغذائي يجب أن تكون هذه التغييرات منطقية وقابلة للتنفيذ. يتم التحذير من الأنظمة الإعجازية والمُحطّمة والتي قد لا تكون متوازنة غذائياً، بدلاً من ذلك يُنصح بإجراء تغييرات معتدلة، وفي حال الرغبة بإجراء تغييرات كبيرة في النظام الغذائي فلابد من مراجعة الطبيب، والذي بدوره سيقوم بتحويله إلى اختصاصي التغذية المُسجّل.
علاج الاكتئاب
هناك عديد من الخيارات المتوفرة لعلاج الاكتئاب، ومن بينها العلاجات بالحديث، والأدوية المضادة للاكتئاب وعديد من تقنيات المساعدة الذاتية. اكتشف المزيد عن علاج الاكتئاب.
عند استمرار الشعور بالاكتئاب لمدة تزيد عن الأسبوعين، فلابد عندها من مراجعة الطبيب للبحث في خيارات المعالجة والحصول على المشورة حول أنسب الخيارات العلاجية المتوفرة.
