“خلال 400 عام تقريباً ما بين 1500 ميلادية و1900، كانت الأحجام الجسدية الكبيرة أكثر جاذبية. وكانت السمنة معياراً للجمال”، حسب المؤرخة آن هولاندر.
ففي الفن الأوروبي القديم كان يروّج للمرأة السمينة المكتنزة على أنها رمز للجمال، وعند قدماء العرب كانت النحافة معيبة للمرأة. فكان الشاعر لا يتغنى إلا بالمرأة المكتنزة وكانوا يستعيذون من النحيفة. حتى أن الفنان العالمي ليوناردو دافينشي عندما رسم لوحة الموناليزا أظهر امرأة أرستقراطية سمينة. وفي موريتانيا تميل أفئدة الرجال للمرأة الجسيمة وتسمى عندهم امرأة فالحة.
لكن مع بداية القرن العشرين، برزت معايير صارمة مبنية على تسليع المظاهر. وخلال السنوات الخمسين الأولى من هذا القرن، ظهر ذوق جديد يرفض البدن المهلهل أو بعبارة صريحة الدهون. ومع انتشار تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي صار التسابق من جديد للحصول على الأجساد المثالية لنيل رضا الآخرين. حينها أدركت الشركات التجارية تعطّش الناس لأن يكونوا أشخاصاً آخرين غير أنفسهم. فوفرت تقنيات المرشحات أو الفلاتر الفوتوغرافية لإزالة العيوب وردم الحفر وزرع الشعر الإلكتروني وغيرها من الخدع الجمالية.
توحيد معايير الجمال عند المرأة
تدريجياً، أضحت متطلبات الشكل المثالي بالنسبة للمرأة تضم إظهار نحافتها من خلال عظام الجسد. فقد صار عظم الفك السفلي وعظام الترقوة والقفص الصدري مصدر الأناقة بشعارها المعاصر. فلم يعد الجمال العربي أو الأوروبي أو الأسيوي مختلفاً الآن. إذ أصبح تعريف الجمال عند المرأة عالمياً موحدا. ولم يعد الاستثناء موجوداً إلا في مجتمعات قليلة أدارت ظهرها للعولمة. وفي السياق أوضحت الكاتبة الأميركية ناومي وولف أنّ “ألف امرأة أمريكية يفضلن خسارة ما بين 4 إلى 7 كيلوغرامات على تحقيق أي هدف آخر”.
استغلال جسد المرأة والتغيير في مفهوم الجمال، جعل بعض النساء أمام معادلة صعبة. وأدت هذه المعادلة القاسية إلى ارتفاع معدلات الانتحار وسط النساء. تعذيب يومي للذات بالرياضة المفرطة، الجري وراء الحميات الضارة والخضوع لعمليات تنحيف مكلفة بدنياً وجسدياً.
هناك عدد كبير من الدول التي تتفق على بعض معايير الجمال العالمية والتي توجد في النساء بشكل خاص. ومن أهمها امتلاك جسم رشيق وخصر نحيل، وأن يكون صوت المرأة ناعماََ عذباََ اثناء الكلام والحديث، وأن يكون لها شعر طويل ومنسدل، وأن تتمتع أيضا بوجه بشوش، وتكون دائما مبتسمة، وأن عيونها واسعة والرموش طويلة، ولها أيضا خدود بارزة، أما طول قامة المرأة فهو حسب كل واحدة على حده، مثلها مثل لون العيون مثلا أو لون الشعر، فتلك أشياء تختلف من امرأة إلى أخرى.
أغرب معايير الجمال عند المرأة عبر العالم
هناك بعض من معايير الجمال عند المرأة الغريبة والتي نجدها منتشرة في عدد كبير من الدول. مثل، الرقبة الطويلة مثلا، أو وضع ضمادة الأنف، ووضع الوشم أيضا، وغيرها من المعايير الغريبة المنتشرة جدا في يومنا الحالي.
- الرقبة الطويلة: واحدة من أهم علامات الجمال خاصة في قبيلة كايان والتي توجد في تايلاند، كما أنها تعتبر واحدة من أهم علامات الجمال لديهم، حيث إن هناك في تلك القبيلة يتم إلباس الفتيات منذ عمر الخامسة بعض الحلقات المعدنية والتي يتم وضعها حول رقبتهن. ويتم زيادة عدد تلك الحلقات بشكل تدريجي مع مرور السنين، حتى تصبح الرقبة طويلة بشكل ملحوظ. وهي تعتبر واحدة من أهم علامات الحُسن والجمال هناك.
- السمنة المفرطة: هي أيضا أساس غريب من أسس الجمال والتي نجدها بشكل منتشر في موريتانيا. وهي من أهم العلامات التي تميز المرأة الحسناء هناك، حتى أن الرجل الموريتاني يقيس جمال المرأة بسمنتها الزائدة.
ماذا عن رهاب السمنة؟
يعاني أكثر من مليار شخص في أرجاء العالم من السمنة (650 مليون بالغ و340 مليون مراهق و39 مليون طفل). وهذا الرقم يتزايد يوما بعد يوم. وتقدر منظمة الصحة العالمية أنه بحلول عام 2025، سيصبح نحو 167 مليون شخص -بالغين وأطفالا- أقل صحة بسبب زيادة الوزن أو السمنة.
والمفارقة أنه كلما ازداد الناس بدانة زاد خوفهم منها. والخوف من السمنة أو البدانة، أو ما يُعرَف علميا بـ “رهاب السمنة” (Obesophobia)، مشكلة يعاني منها كثير من البشر، ولا سيما النساء، وتحديدا الفتيات في مقتبل العمر.
وهي مشكلة معقدة ترتبط ارتباطا وثيقا باضطرابات الأكل. مثل فقدان الشهية أو العكس، أي زيادة الشهية بشكل مبالغ فيه، وهو ما يعرف بـ “الشره المرضي” (bulimia)، فضلا عن النظرة الاجتماعية إلى البُدُن، التي قد تجعل من حياتهم جحيما لا يُطاق.
والأمر يتعدى الخوف، إذ أن السياق الاجتماعي والثقافي الحديث برمته يرفض “البدانة”. وخصوصا في عالم يربط فيه الجمال بالرشاقة والنحافة. فالسمنة أكثر من مجرد زيادة لبضعة كيلوغرامات من الدهون، إنها ذعر حقيقي يصيب النساء والفتيات. ويمنعهن من الأكل وممارسة حياتهن الطبيعية في كثير من الأحيان، وفق ما ذكرت مجلة “وومن ماغازين” (woman magazine) في تقرير لها مؤخرا.
كما يمكن أن يعاني الأشخاص المصابون برهاب السمنة من تداعيات أشد خطورة، مثل اضطراب “الوسواس القهري”. إذ إن الرفض الاجتماعي الذي يحيط بالأشخاص البُدُن يتطور لديهم خوف غير منطقي من زيادة الوزن. ولذلك يميلون إلى العزلة، ورفض المشاركة في المناسبات الاجتماعية المقترنة بالطعام، مثل الحفلات والأعراس، مما يؤدي إلى الانطوائية والانعزال والبعد عن المجتمع.
ومن الصعب معرفة عدد الأشخاص الذين يعانون من رهاب السمنة في العالم. إذ يحتفظ كثير من الناس بهذا الخوف لأنفسهم، أو قد لا يدركون أنهم مصابون به. وقدرت الدراسات أن نحو 1 من كل 10 بالغين في أميركا وحدها يعانون من رهاب السمنة، وأن 1 من كل 5 مراهقين في العالم يعانون من أحد أنواع الرهاب في مرحلة ما من حياتهم.
ويُعد رهاب السمنة الأكثر شيوعا بين الفتيات المراهقات. ولكنه يمكن أن يحدث للرجال أو النساء من الطفولة إلى البلوغ، بحسب ما ذكرت منصة “كليفلاند كلينك” (clevelandclinic.org) في تقرير لها مؤخرا.
أسباب رهاب السمنة
لا يوجد سبب واحد محدد لرهاب السمنة، ولكنه قد يرجع إلى عدة عوامل. ووفق منصة “هيليث لاين” (health line)، لعل من أبرزها:
- وصمة الوزن (Weight stigma)
وهي الحكم على الأشخاص بناء على وزنهم. وهذا جزء مهم من المجتمعات المدنية الحديثة، التي غالبا ما تمتدح النحافة وتعلي من شأنها، وتنتقص من شأن الأشخاص البُدُن أو ذوي الوزن الزائد.
- السعي نحو الكمال (Perfectionism)
قد يكون السعي إلى الكمال مرتبطا بعوامل بيئية واجتماعية وعائلية. وهناك أشخاص لديهم ميل وراثي نحو الكمال. وفي ثقافة تجعل النحافة هدفا، يتم تصوير زيادة الوزن على أنها عيب، ويمكن أن يسبب هذا رهاب السمنة، خصوصا عند أولئك الذين لديهم رغبة قوية في الكمال.
- اضطراب القلق الاجتماعي (social anxiety disorder)
قد ينشأ رهاب السمنة من “اضطراب القلق الاجتماعي”، الذي ينطوي على الخوف من الرفض الاجتماعي لأسباب مختلفة، ومنها الخوف من زيادة الوزن. ولهذا يُصاب كثير من الأشخاص -ولا سيما النساء- الذين يعانون من هذا النوع من الاضطراب برهاب السمنة.
- الخبرات الشخصية (Personal experiences)
يمكن أن يكون رهاب السمنة ناتجا عن تجارب وخبرات شخصية سابقة. مثلا، إذا تعرضت للمضايقة بسبب وزنك أو مظهرك، فيمكنك ربط زيادة الوزن بالنظرة السلبية للناس تجاهك. وهذا يمكن أن يجعل الكثير من الأشخاص يخافون من زيادة الوزن.
تأثير الإعلام على تقبل الصورة الجسدية
كشفت دراسة أمريكية أُجريت على عينة من مراهقات في مرحلة التعليم الأساسي عن – مدى تأثير وسائل الإعلام على نظرتهن لأجسادهن، ومستوى رضاهن وتقبلهن لأنفسهن – إذ أن 69% من الفتيات محل الدراسة اللاتي يتابعن مجلات الموضة والجمال تأثرن بالفعل وأصبحن غير متقبلات لأشكال أجسادهن. بينما قررت 47% منهن اللجوء إلى طرق لإنقاص الوزن.
يكشف ذلك التأثير العميق الذي تمتلكه وسائل الإعلام، واستخدام هذا التأثير بطريقة سلبية لدفع الجماهير نحو استهلاك منتجات غير ذات جدوى، أو اتباع عادات غذائية غير صحية، بهدف الحصول على جسم بمقاييس محددة. والأخطر هو دفع الملايين نحو إجراء عمليات جراحية خطيرة مثل تكميم المعدة.
نصائح لتعزيز الرضا وتقبل الصورة الجسدية لدى المرأة
- تقبل تغييرات جسدك
الجسد يتغير حسب الظروف الصحية أو مراحل العمر أو أي شيء طارئ قد يسبب فقدان وزنك أو اكتساب بضع كيلوغرامات. كوني مستعدة ومتقبلة للتغييرات التي قد تطرأ على جسدك، وتذكري أنها ليست دائمة.
- التوقف عن المقارنة
المقارنة من أهم الأسباب التي تسمح للإحباط والسخط بالتسلل إلى عقلك وقلبك، لذا توقفي عن مقارنة نفسك بالآخرين، أنتِ مختلفة، وتميزك في اختلافك عن الآخرين، فلا داعي للمقارنات.
- الابتعاد عن مصادر الضغط
أي مصدر يضغط عليك، ويشعرك بعدم الرضا عن شكل جسدك، أنصحك بالابتعاد عنه، سواء كان مجلات أو تلفزيون أو تطبيق للتواصل يحاصرك بصور مثالية.
- الاقتراب من الإيجابيين
من المهم أن تكوني محاطة بأشخاص إيجابيين يعززون ثقتك بنفسك، ويشعرونكِ بالحب والقبول.
- التخلص من الأفكار السلبية
أي أفكار سلبية تطرأ في ذهنك حول صورتك الجسدية، عليكِ مقاومتها، واستبدالها بأفكار إيجابية، مثل كتابة الأشياء الجيدة التي تعجبك في مظهركِ. واحرصي على تغذية عقلك بالأفكار الإيجابية التي ترسخ داخل ذهنك حقيقة أنكِ جميلة شكلاً وعقلاً وروحاً.
- ارتداء ملابس مناسبة
لا تقيدي نفسك بارتداء ملابس ذات قياس غير مناسب، أو تصميم غير مناسب لشكل جسدك، فاختيار التصميم والقياس المناسب يشعركِ بالثقة في مظهركِ.