من منا لم يشاهد الفيديو الطريف للدب البني الذي تمّ إنقاذه في غابات تركيا، بعد أن ظهرت عليه علامات الهلوسة حتى بدا وكأنه ثمل. وذلك نتيجة تناوله كمية زائدة من “عسل الهلوسة” أو كما يسميه البعض “عسل الجنون” أو “ديلي بال” بالتركية، نقل على إثرها إلى العناية المركزة من أجل العلاج. فما طبيعة هذا العسل المخدر؟
ما هو عسل الهلوسة؟
يعرف عسل الهلوسة بلونه الغامق ومذاقه شديد المرورة مقارنة بأنواع العسل الأخرى، يتطلب تناوله بكميات كبيرة استشارة الطبيب، لما يحتويه من تأثيرات خطيرة تؤدي إلى التسمم. كما له تأثير يشبه المخدرات يظهر بعد تناوله بحوالي 15 دقيقة.
هذا النوع من العسل ينتجه نحل يدعى “آبيس لابوريوسا” أو “Apis laboriosa” وهو أكبر فصائل النحل في العالم. يصل طول النحلة الواحدة إلى 3 سنتيمترات، بعد أن يتغذى على حبوب لقاح أزهار الرودودندرون الناذرة، التي عادة ما تكون شديدة السم للإنسان. وهي من النباتات المزهرة دائمة الخضرة. تنمو في المناطق الجبلية حول العالم، وتحتوي على مواد كيميائية تسمى السموم الرمادية. والتي تؤثر في الأعصاب بشكل سلبي، وتسبب الهلوسة وتبطئ من مستوى نبض القلب نحو الشلل المؤقت وفقدان الوعي.
صعوبة جني العسل سببه غلائه
على سفوح الجبال، يخاطر السكان المحليون في الصين والهند ونيبال بحياتهم، للوصول لخلايا النحل العملاقة، التي تتواجد بشكل قليل جداً في أعماق غابات الهيمالايا، مما يجعل هذا النوع من العسل نادرا جدا.
يكون الوصول إليه صعبا ومحفوفا بالمخاطر، نظرا لأن نباتات “الرودودندرون” تنمو بشكل أفضل في الجبال والمرتفعات الشاهقة، لهذا يبني النحل خلاياه المحتوية علي 33 رطلا أي 15 كيلوغراما تقريبا من العسل، على المنحدرات بالقرب من أماكن نمو “الرودودندرون”.
وهو الأمر الذي يجعل صيادي العسل المهلوس مضطرين إلى تسلق أعالي جبال الهمالايا لجنيه مرتين سنويا. حيث يلفون حول خصورهم حبالا متينة مصنوعة يدويا، ثم يتسلقون سلالم الخيزران أو البامبو الرفيعة. لتبدأ مغامرة هدفها اقتناص خلية نحل الهيمالايا، والحصول على العسل الأحمر كما يطلق عليه السكان المحليون حتى وإن كان الموت هو الثمن.
تزداد الأمور صعوبة عند مواهجتهم لأسراب النحل الغاضب. لإرباكه وإبعاده أثناء الاقتراب من خلاياه، يذرمون النار في حزمة من العشب، وبعد معركة تستمر لساعات يحصلون أخيرا على العسل الثمين.
تعد قبيلة غورونغ أكثر القبائل شهرة بجني عسل الهلوسة، إذ يحصلون عليه من خلال التعلق بحبال تتدلى من جبال الهملايا، على ارتفاع يصل ما بين 6 إلى 20 ألف قدم. رغم صعوبة الأمر إلا أنه تقليد قديم، عرفت به تلك القبيلة منذ آلاف السنين. يمارسه الرجال دون النساء، كما يسمون منحذراتهم بأسماء الصيادين الذين لقوا حتفهم أثناء جنيهم للعسل المهلوس.
ويبقى السؤال، لماذا يخاطر صيادو النحل بأرواحهم للحصول على العسل المهلوس؟ الإجابة في الثروة الهائلة التي ستذر عليهم بعد نهاية المغامرة. فقيمة عسل الهلوسة تفوق بكثير قيمة العسل العادي.
إذ يصل ثمن الكيلوغرام الواحد من عسل الجنون عالي الجودة، إلى 360 دولاراً أميركيا في المتاجر بتركيا، حسب ما ذكرت بعض الصحف الدولية. في حين أن مجلة ناشيونال جيوغرافيك أشارت في تقرير لها، إلى أن أقل من نصف كيلوغرام واحد من العسل قد يصل إلى حوالي 60 دولارا في الأسواق السوداء الآسيوية.
فهناك الملايين يوميا يبحثون في الأسواق عن عسل الجنون، نظرا لما يحتويه من فوائد قد تصل إلى أضرار إن لم يتم تناوله بالشكل الصحيح.
حينما استعمل عسل الهلوسة كسلاح ضد الجيش الروماني
أساطير قديمة تعود إلى آلاف السنين، ذكرت أن عسل الهلوسة استخدم قديما كسلاح ضد الجيش الروماني عام 67 قبل الميلاد. حيث هزم الملك الفارسي ميثريداتس الرابع، حاكم مملكة بونتوس في شمال الأناضول أعداءه الرومان، من خلال ملء الطرق بأقراص عسل الهلوسة، وفور تناول عناصر الجيش للعسل، ظهرت عليهم تأثيرات مهلوسة وتمت هزيمتهم بسهولة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى ذكر موقع Atlas Obscura القصة ذاتها ولكن بتفاصيل مختلفة قليلا. حيث أن جنود الملك اليوناني زينوفون وهو تلميذ سقراط، كانوا عام 401 قبل الميلاد يمرون من طريق عبر تركيا، وأثناء مرورهم تناولوا العسل المسروق. وسرعان ما أصيبوا بالإسهال ولم يعد بإمكانهم الوقوف، بسبب الإفراط في تناوله.
بيما روى فون براينت خبير العسل وأستاذ الأنثروبولوجيا أنه في عام 69 قبل الميلاد، تم تسجيل أن جيش بومبي العظيم وقع ضحية لمصيدة عسل حقيقية في نفس المنطقة. فقد وضعت القوات المحلية العسل على طول طريق المسيرة، ثم انقضت لتذبح الجنود المخمورين.
فوائد عسل الجنون
رغم أن عسل الهلوسة عرف منذ قرون بكونه عقاراً مهلوساً قوياً. إلا أنه تنسب إليه العديد من الميزات الطبية. فإلى جانب الأضرار، لعسل الجنون فوائد كثيرة ومختلفة، منها تسريع الشفاء من أمراض عديدة، مثل الزكام والإنفلونزا والسعال، وعلاج التهابات المعدة والشعب الهوائية والتهاب البلعوم…
كما أنه يساعد في خفض ضغط الدم المرتفع ونسبة الكوليسترول، ويخفف من التهاب المفاصل فضلا عن فائدته في تنظيم عمل الجهاز العصبي، وحل مشكلات مثل الاضطرابات العصبية والتعب والأرق…
وعسل الهلوسة يعطي دفعة قوية من الطاقة للجسم، مما يساعد على تحسين الأداء الجنسي لدى الرجال، لذلك يعتبر بديلا لحبوب الفياغرا. إضافة لما سبق فهو يساعد على تقوية جهاز المناعة، وحماية الجسم من الميكروبات بسبب احتوائه على خصائص مضادة للأكسدة.
صياد العسل الأخير
أخذ العسل المجنون شهرة عالمية كبيرة. حتى أصبح موضوعا في بعض الأفلام العالمية، مثل سلسلة مغامرات شارلوك هولمز الشهيرة، والفيلم السينمائي صياد العسل الأخير، المستلهمة روايته من قصص قبيلة غورونغ.
