ذات صلة

آخر المقالات

أغلى زفاف في التاريخ

احتفالات أغلى زفاف في التاريخ لعريس وعروس ينتميان لأثرى عائلات الهند وآسيا، تقام في مدينة جامنغار الهندية.

ثورة الفلاحين تشعل أوروبا

غضب الفلاحين يصيب القارة العجوز، ويحدث فوضى عارمة في معظم بلدانها، إذ يطالب الفلاحون تخفيض أسعار الوقود والأسمدة ودعم المنتجات المحلية ووضع حدٍّ للظلم الذي يتعرضون له من الاتحاد الأوروبي.

أو جي سيمبسون – محاكمة القرن (الجزء الثاني)

كيفاش نجا أو جي سيمبسون نجم من نجوم كرة القدم الأمريكية من عقاب الجريمة البشعة اللي كايضن البعض حتى الآن أنه ارتكبها؟

“برابو سوبيانتو” رجل عدواني أم جد محبوب؟

برابوو سوبيانتو" اسم لطالما أرعب الإندونيسيين في مرحلة ما من تاريخ بلادهم، لكن على ما يبدو أن الأمور تغيرت، فالآن بات شخصية لطيفة محبوبة يعشقها الجميع.

غزو إسرائيل لرفح يثير مخاوف العالم

الاجتياح البري لمدينة رفح جنوبي قطاع غزة هو قرار تستعد القوات الإسرائيلية لتنفيذه خلال الأيام المقبلة.

رحلة إلى تقاليد العرس المغربي

حرر بواسطة:

بعد رحلتنا الشيقة الغائصة في التفاصيل التراثية المغربية للخطوبة، ها نحن نجدد اللقاء لنكمل بقية الحكاية. فكيف لطائريْ الحب أن يجتمعا تحت سقف واحد، دون تلك الزفة الأسطورية المغربية المعهودة؟ 

عادات وتقاليد 

لكل بلد تقاليده وأعرافه في طريقة الاحتفال بالزفاف، والمغرب هو الآخر، يدخل قائمة أرقى الاحتفالات التراثية عبر العالم. إذ يشتهر العرس المغربي بالتنوع والغنى والتفرد، ويمثل رافدا من روافد الهوية الثقافية للفرد والجماعة. 

في البلاد ذاتها تتنوع تقاليد العرس من شماله حتى شرقه، ومن غربه إلى جنوبه، مما يبرز ثراء الثقافة المغربية وتميزها. ورغم هذا الاختلاف فإن جميع الربوع تتفق على الاحتفاظ بأساسيات موروث الأجداد كما هي عليه، والسفر به من جيل لآخر. 

بعد احتفال الخطوبة الذي يمر في جو شبه هادئ نوعا ما بين قلائل الحضور، يأتي يوم العرس المغربي بعد مدة من الترتيبات والاستعدادات. ليتم إشهار الزواج في جو من العلنية والصخب. 

كان العرس المغربي في عهده يستمر لمدة سبعة أيام على التوالي، ليستقر مؤخرا في يوم وليلة عند أغلب المناطق المغربية. في حين يُستعدُّ له لشهور وشهور. من تحضير للحلويات وخياطة للقفاطين، وعزائم وغير ذلك من أشكال التهيؤ للمحفل الموعود. 

حمام العروس 

"حمام الحومة" - الصورة:  Wikimedia Commons | CC BY-SA 4.0
“حمام الحومة” – الصورة:  Wikimedia Commons | CC BY-SA 4.0

قبل انطلاق مراسم العرس بليلة، يُخصص للعروس حمام عميق يختلف عن الحمامات اليومية – الاسْتحمامات – حيث تُصطحب أميرة العرس رفقة قريباتها وجاراتها ورفيقات دربها إلى “حمام الحومة” – حمام الحي – الذي يتحول هو الآخر إلى صالة خاصة بالاحتفال تحت إيقاعات الزغاريد والأهازيج والقرع على الطعارج. 

في الواجهة الأخرى يستعد العريس بدوره أيضا ليوم عمره استعداداََ عادياََ، عبر أخذه حماما مغربيا صحبة أصدقائه وأقاربه وكذا حلق شعره والاعتناء بنفسه جيدا … وإن لم يكن هذا الاستعداد يشابه ذا العروس. فإن مرافقيه يحتفلون به بطريقتهم الخاصة، كحمله عاليا والتجول به في أرجاء الحمام مرددين عبارات توديع العزوبية. 

بعد طلوع الفجر مباشرة، تتوجه العروس ومرافقاتها نحو الحمام، حاملات مستلزمات الحمام المغربي والتي تترأسها التْبْرِيمَة – أعشاب عطرة مصنوعة خصيصا للعروس – غالبا ما تصنعها الجدات وكبيرات العائلة أو يتم شراؤها من العَطَّارْ – بائع الأعشاب -، وتتكون أساسا من مطحون الورد البربري والقرنفل وكذا الغاسول والنيلة الصحراوية والحناء والصابون البلدي المغربي … وتتميز برائحتها الفريدة غير الموجودة في أي مستحضر من المستحضرات الكيماوية الشهيرة. 

غالبا ما تكون السيدات المشرفات على الحمام على علم مسبق بقدوم العروس، حيث يستقبلنها بالزغاريد والصلاة والسلام على رسول الله، وتزيين بسيط بالشموع حول الأرجاء. بعدها تدخل العروس إلى المكان المخصص للاستحمام لتتكلف بتحميمها كبيرة المرافقات، التي تتقمص دور المرشدة في آن واحد، إذ تقدم لها نصائح ستفيدها في خطوتها الزوجية هذه، مزامنة مع دهن التبريمة وتدليكها على كامل الجسم. 

لينتهي الحمام بعد ساعات من التنظيف، حيث ترتدي العروس ورفيقاتها غالبا ملابس تقليدية بيضاء اللون، فأل خير بأيام بيضاء للعروس، واضعات نفس غطاء الرأس المغربي الشهير “زيف حياتي“. في حين تتم ضيافتهن من قبل أهل المكان بالشاي المغربي المنسم بالأعشاب المهدئة، فتعلو الزغاريد والأغاني الشعبية الأصيلة، لتنتهي بهذا أولى خطوات العرس المغربي. 

ليلة الحناء … تفاصيل بلون أخضر 

من الطبيعي في عصرنا هذا حصول تطورات دخيلة على تقاليد الزفاف المغربي، إذ من الناس من بات يجمع ليلة الحناء وباقي تفاصيل العرس في يوم واحد، ومنهم من لايزال يحتفظ بالأعراف القديمة كما كانت في سابق زمانها. حيث يخصص لحناء العروس ليلة سهريه نسوية مليئة بأجواء الفرح والبهجة. وهذا الأخير يعتبر هو الأصل. 

فبعد العودة من الحمام وأخذ قسط من الراحة، غالبا ما تتوجه العروس إلى صالون التجميل المحجوز مسبقا لتزيينها في هذه المناسبة. لتقوم صاحبة هذا الأخير بتحويلها لأميرة في غاية الجمال، كما يُقال في المغرب ” طاح عليها السر”، بمعنى أن طلَّة يوم الزفاف لا تكون كباقي الأيام، حيث تُرزق العروس في هذا اليوم بسر رباني وجمال عذري. 

يتم نقل العروس بحلتها الجميلة من صالون التجميل نحو بيتها في سيارة أحد الأقارب، بينما تكون مغطاة الوجه بثوب شفاف، كعادة عرفية مفادها؛ ألا يراها أي رجل آخر قبل شريكها. في حين تستقبلها نساء البيت بأبهج الأهازيج والصلوات على النبي الكريم.  

تفاصيل الليلة 

ليلة الحناء - الصورة: 204006739 | Casablanca © Stock Casablanca | Dreamstime
ليلة الحناء – الصورة: 204006739 | Casablanca © Stock Casablanca | Dreamstime

يكون قفطان العروس في الغالب أخضرَ ملكيا يحمل بين تفاصيله نقشا تقليديا يسمى الطرز الفاسي أو الرباطي، نسبة لحرفيّي مدينتيْ فاس والرباط، المشتهرين باختصاصهم وجودتهم في مجال الطرز، أو قفطانا أبيض عليه نفس النقوش المُوحية للحناء. دون أن ننسى خلفية مجلس العروس التي تتميز بذات تفاصيل القفطان الملبوس. بالإضافة إلى لوازم الحناء الموضوعة فوق مائدة ذهبية مزينة بأبهى الترتيبات وأرقاها على الإطلاق. 

تجلس العروس في مكانها الملكي وبجانبها النقاشة، وسط أجواء تقليدية محضة، إذ تحوم حولها الكبيرات والصغيرات من نساء أهلها، محتفلات بعروستهن أيَّما احتفال، بالقرع على الطبول وغناء أغاني الحناء والرقص الشعبي، وسط أجواء تعمها الفرحة والسعادة. 

تباشر النقاشة عادات الحناء المغربية، فتُشعل الشموع وتنثر البخور - الصورة:  239504045 | Casablanca © Stock Casablanca | Dreamstime
تباشر النقاشة عادات الحناء المغربية، فتُشعل الشموع وتنثر البخور – الصورة:  239504045 | Casablanca © Stock Casablanca | Dreamstime

تباشر النقاشة عادات الحناء المغربية، فتُشعل الشموع وتنثر البخور وتمسح على يدي العروس بماء الزهر العطر، ثم تبدأ بنقش يديها ورجليها وتنتهي بربط يدها اليسرى برباط أخضر. لتتبعها العازبات واحدة تلو الأخرى عارضات أيديهن للحناء من نفس إناء العروس، كعادة قديمة تبغي منها الفتيات الزواج وراء العروس ويُطلق عليها “الفال”؛ أي الفأل. 

الهْدْيَّة … لحظة وصول العريس 

من أشهر العادات التقليدية المغربية، ألا تزيل العروس حناءها حتى يراها العريس وأهله بها. ففي هذه الأثناء لا يطل الأخير خاوي الوفاض إلى بيت عروسته، بل يأتي وأهله بالهْدِيَّة في موكب عريض من السيارات المزينة بالورود، صحبة فريق من الموسيقيين الشعبيين، مع أهم عنصر وهو الدهاز الذي يشمل بعض هدايا الخطوبة وهدايا أخرى من الذهب والقفاطين والعطور … كل حسب استطاعته، لأن قيمة هدية العروس ليست في مادّتها، بل في معنويتها. 

يجول العريس وموكبه الأزقة والشوارع بأحلى الأهازيج، قاصدين بيت العروس. حيث سكان العمارات والمارة يصفقون ويرقصون مع الهْدْيَّة المغربية. 

ما زال ولو منهم قلة، من يحمل الدهاز ويجول به في أرجاء الأحياء فوق عربة تجرها ماشية مزينة بالعقد والبالون - الصورة:  76466030 © Zzvet | Dreamstime
ما زال ولو منهم قلة، من يحمل الدهاز ويجول به في أرجاء الأحياء فوق عربة تجرها ماشية مزينة بالعقد والبالون – الصورة:  76466030 © Zzvet | Dreamstime

رغم افتقادنا لمثل هذه التقاليد الأصيلة في يومنا هذا، فما زال ولو قلة منهم، من يحمل الدهاز-هدايا العروس- ويجول به في أرجاء الأحياء فوق عربة تجرها ماشية مزينة بالعقد والبالون، والأطفال يجرون ويرقصون، وفي ذلك إشهار وإعلان لكل ساكنة المنطقة بقران العروسين. 

يصل الموكب إلى الهدف، ولا يتم وطء البيت حتى تمر ساعات من الرقص بين العائلتين أمام كل الجيران، وهنا كل منطقة من مناطق المغرب؛ ترقص على إيقاعات شعبية مختلف بعضها عن بعض، كل حسب أصول وتجذر منطقته، إذ نجد أهل الشرق يرقصون على “الركادة” وأهل الغرب على “الطبالة والغياطة” … وغير ذلك الكثير من الأعراف الموسيقية، في حين يعتمد الأغلبية “الدقة المراكشية“. 

يلتحق أخيرا العريس بعروسته مرتديا لباسا تقليديا في الغالب تكون “جبادور”. يرفع الغطاء من على وجهها مقبلا جبينها، فتعلو الزغاريد وتقوم النقاشة بوضع دائرة من الحناء وسط يده، وهذه من الأسئلة التي لطالما راودتني، يا ترى ماذا تعني هذه الحركة؟  ثم ينتقلان لتذوق التمر ورشف الحليب، وكل هذا يُخلد بأخذ صور تذكارية لليلة الحناء البهيجة. 

يوم العرس … اليوم الأسطوري 

وُرود، أضواء وتزيينات في منتهى الإبداع، وحضور كثيف على موائد تشع لمعانا، هكذا هو جو اليوم المنتظر. الكل ينتظر دخول العروس فوق العمارية، فالتحاق العريس وأحبابه. 

العمارية المغربية - الصورة: Pinterest
العمارية المغربية – الصورة: Pinterest

العروسة جات أ يمّة، زينة البنات أ يمّة” بهذه العبارة ومثيلاتها تدخل العروس مرفوعة فوق العمارية المزخرفة، بينما كل الحضور يقفون ويصفقون منبهرين بطلّتها المغربية الجميلة التي تسرُّ ناظرها. 

دّاها ودّاها … واللّه ما خلاّها، دّاتو ودّاتو … واللّه ما خلاّتو“، كلمات تُغَنَّى منذ القدم؛ وتعني اقتران العروسين وارتباطهما الأبدي، وعلى إيقاعها يدخل العريس وأحبابه صالة العرس المُنتظر الخيالية، حيث تجلس العروس في مكانها المركزي ليلتحق هو الآخر بها. وتنطلق المراسيم.  

يتم استقبال الحاضرين، بأشهى الحلويات والمشروبات، كمحطة أولى من محطات سلسلة مأكولات الليلة، التي تُعرف عالميا بغناها ولذتها. وكذا المعازف المغربية المتنوعة منها الطرب الأندلسي، والأغاني الشعبية وغيرها من أشكال الطرب القديم والجديد. 

المميز للعرس المغربي عن باقي الأعراس الأخرى، مدته التي تتجاوز الست ساعات، والتي في الغالب تتم ليلا إذ يُطل أثناءها العروسان بطلات مغربية متنوعة، تعبر عن مختلف المناطق الترابية، كاللبسة الشمالية، والفاسية، والصحراوية … كل طلّة بإيقاعها ورقصها المناسبين. 

يرقص الجميع ويأخذون صورا مع العروسيْن، ويُرفع الاثنان على العمارية المغربية، ويرقصان وسط دائرة تجمع الأهل والأصحاب، فيما تُقدم أشهى الأطباق الخاصة بهكذا مناسبات، المتمثلة في البسطيلة بنوعيها الحلو والمالح، وطبق اللحم بالبرقوق الشهير، وكذا الدجاج المحمر بطريقته المغربية الفريدة والسفة … وغيرها من الأطباق ذات اللمسة العصرية. دون الحديث عن الشاي والحلو المغربي الذي يُقدم كفاصل استراحة بين  لحظة وأخرى، لمتابعة أجواء العرس دون كلًّ. 

لتأتي اللحظة المؤثرة، حيث يُختتم العرس بها، وفيها يرتدي العروسان البذلة الرسمية للزفاف المتفق عليها عالميا، وينطلق المشهد الذي يُجمع عليه كل سكان الأرض، مسلمين وغير مسلمين بنفس الشعور ونفس الروحانية، إذ يدخل أب العروس أو أحد محارمها ماسكا يدها بطلتها البيضاء البهية، بخطوات ودموع حزن وفرح مختلطيْن، حزنٌ على فراق الأهل، وفرحٌ باقتران مع شريك العمر. ليسلمها أمانة من ذويها إلى عريسها في جو جد مؤثر وموسيقى رقيقة تجعل دموع كل الحاضرين في ذرف. 

يُلبسُ العروسان بعضهما البعض المحابس، منذ وقت ليس ببعيد كانت العروس تلبس محبسا ذا قسمين يسمى “عين وحاجب”، لكنْ اليوم صار المحبس كلاسيكيا من ذهب أو ألماس كل حسب استطاعته، فيما يكون ذا العريس من الفضة.  

سيارة مزينة بالورود، تُقِلُّ العروسين نحو حياة جديدة حيث يصبحان واحداََ، والكل يودع ويتمنى لهما الرفاه والبنين. وبهذه المشاعر الرقيقة تنتهي رحلتنا، على أمل اللقاء بين سطور أخرى، تسافر بنا في رحلة شيقة جديدة.

حرر بواسطة:

  • وجدان بوشاقور

    صحافية مساعدة ومحررة بقسم التحرير العام بإيكوبوست
    بنسليمان، المغرب
    كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية (المحمدية، المغرب) – إجازة في الدراسات الأساسية قانون خاص (2022)


    وجدان بوشاقور صحافية مساعدة ومحررة بقسم التحرير العام بالموقع الإلكتروني إيكوبوست منذ شهر فبراير 2023. راكمت تجارب متعددة في ميادين متنوعة قبل أن تعود إلى دراسة مجال القانون الخاص في أواخر سنة 2019.