ذات صلة

آخر المقالات

أغلى زفاف في التاريخ

احتفالات أغلى زفاف في التاريخ لعريس وعروس ينتميان لأثرى عائلات الهند وآسيا، تقام في مدينة جامنغار الهندية.

ثورة الفلاحين تشعل أوروبا

غضب الفلاحين يصيب القارة العجوز، ويحدث فوضى عارمة في معظم بلدانها، إذ يطالب الفلاحون تخفيض أسعار الوقود والأسمدة ودعم المنتجات المحلية ووضع حدٍّ للظلم الذي يتعرضون له من الاتحاد الأوروبي.

أو جي سيمبسون – محاكمة القرن (الجزء الثاني)

كيفاش نجا أو جي سيمبسون نجم من نجوم كرة القدم الأمريكية من عقاب الجريمة البشعة اللي كايضن البعض حتى الآن أنه ارتكبها؟

“برابو سوبيانتو” رجل عدواني أم جد محبوب؟

برابوو سوبيانتو" اسم لطالما أرعب الإندونيسيين في مرحلة ما من تاريخ بلادهم، لكن على ما يبدو أن الأمور تغيرت، فالآن بات شخصية لطيفة محبوبة يعشقها الجميع.

غزو إسرائيل لرفح يثير مخاوف العالم

الاجتياح البري لمدينة رفح جنوبي قطاع غزة هو قرار تستعد القوات الإسرائيلية لتنفيذه خلال الأيام المقبلة.

تحنيط الجثث من فِعل الطبيعة أم صُنع بشري؟ 

حرر بواسطة:

حين بدأت البشرية وقَتل قابيل أخاه هابيل، لم يَكن لَديه أيُ أَدنى فكرة عما يجب فِعلَه بجثة أخيه إلى أن رأى الغراب يبحث في الأرض فتعلّم كيف يواري جثته. فكانت هذه المرة الأولى التي يتعلّم فيها الإنسان كيف يستفيد من الطبيعة المحيطة به لجعل حياته أكثر راحة، وإن كان القتل والراحة لا يجتمعان، إلّا أننا نتحدث هنا عن الفكرة لا الحَدَث.  

ومنذ ذاك الوقت دخل الإنسان في صراع مع الطبيعة في محاولة لتطويعها وتسخيرها لخدمته، فاعتاد أن يرى شيئا ما يحدث من قِبَلها فيقوم بإعادة فعله، تارة بذات الطريقة وتارة أخرى يقوم بالفعل بعد تطوير الطريقة لجعلها أكثر فائدة لمطالبه.   

المومياوات  

وبذكر جثة قابيل وكيفية تَعَلُم الإنسان الدفن؛ من الطبيعي أن يتبادر إلى ذهن البعض منا ما نعلمه عن المومياوات. لسببين؛ أولًا لكونها جثة في نهاية الأمر، وثانيًا لأنها كانت واحدة من أكبر الأمور التي عجزت البشرية لسنوات عن معرفة كيفية صيرورتها والتي تجعل من الجثث تخرج لنا بهذه الصورة. فيمكننا أن نقول ببساطة الكلمات التالية للأشخاص الذين لم تتبارد إلى ذهنهم هذه المعلومة كما حدث مع البعض منا: “نعم، صحيح. لم يَكن تحنيط الجثث وتحويلها لمومياوات محفوظة لعقود إحدى أفكار البشرية، بل تعلمها البشر من الطبيعة التي دائمًا ما تُذهِلُنا”. 

فمن المعروف أنه وفي حال تُرِك الجسم البشري للطبيعة، فإنه عادة ما يتحول إلى عظام في غضون سنوات قليلة، إلّا أنه يمكن الحفاظ على الجثث المدفونة في قبور ضحلة لآلاف السنين بشكل طبيعي ويعود ذلك لعدة أسباب منها: الحرارة الجافة لهواء الصحراء ورمالها. 

بذلك يقول فرانك روهلي، مدير معهد الطب التطوري بجامعة زيورخ ورئيس مجموعة دراسات علم أمراض الحفريات والمومياء، أن هذا العامل وغيره من العوامل التي سنذكرها لاحقًا كانت مصدر إلهام للبشرية وللفراعنة تحديدًا في محاولاتهم لتحنيط موتاهم. 

فكيف تكفلّت الطبيعة بتحنيط الجثث؟ 

يشرح لنا العلماء كيف للصحاري الساخنة أن تكون عاملًا من العوامل التي تعمل على تحنيط الجثث بشكل طبيعي. وكيف يمكن للبيئات الأخرى كالمستنقعات وقمم الجبال الجليدية أن تمنع تَحَلُّلَها. 

الصحاري

هناك مصطلح بيولوجي يُسمى بالاضمحلال؛ ونعني به تلك العملية البيولوجية التي تجعل من الكائنات الحية عاجزة عن القيام بوظائفها الحيوية. وبما أن الصحاري تُعتبر مناطق جافة، لذلك بالاضمحلال وعدم وجود الماء لا يمكن لعلم الأحياء أن يعمل، ولهذا السبب تُحافظ الصحاري على الجثث بشكل جيد. وبذلك يقول عالم الأنثروبولوجيا الفيزيائية برناردو أريزا من جامعة تارا باكا في تشيلي، الذي أمضى حياته المهنية في دراسة مومياوات أن لهذا السبب كانت ممارسات التحنيط المصرية وتحنيط تشينتشورو تتضمن خطوات لتجفيف الجسم. حيث تعتمد عملية التجفيف على وضع كميات كبيرة من ملح النطرون على جسد الميت لمدة 40 يومًا لتخليص الجسم من وزن الجسد وهو الماء، وتخليصه أيضًا من الأطعمة التي تناولها الميت. ولأن ملح النطرون يتكون من كربونات وبيكربونات وكلوريد وسلفات الصوديوم فله دور مهم في عملية التجفيف. يُذكر أن شعب تشينتشورو الموجود في شمال تشيلي قاموا بتحنيط موتاهم قبل حوالي 2000 عام من المصريين. وقبل ذلك بآلاف السنين كانت صحراء أتاكاما تقوم بذلك نيابةً عنهم. 

الملح

هناك قصة قديمة تعود لعدة عمال مناجم إيرانيين، لقوا مصرعهم في كهف منجم للملح. وعلى الرغم من أن وزن الملح سحق عمال المناجم، وسوى جثتهم بالأرض، إلا أن الصخور المالحة سحبت الماء من أجسادهم وحنطت بقاياهم المسحوقة، بذلك أدى الملح ذات المهمة التي قامت بها الصحاري. ويؤكد أريزا ذلك بقوله إن الأملاح الموجودة في التربة الجافة في صحراء أتاكاما ساعدت أيضًا في الحفاظ على مومياوات تشينتشورو. فالتربة كانت غنية بمركبات النترات والنيتروجين والبوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم لذلك ساعدت على تجفيف الجسم. 

الجليد

مُتعارف عليه علميًا أن درجات الحرارة المنخفضة تعمل على إبطاء معظم العمليات الحيوية بذلك يُعد الجليد أحد العوامل الطبيعية التي تُساعد على حفظ الجثث من التعفن. فيقول عالم الأمراض أندرياس نير ليش، من مستشفى بوغنهاوزن بميونيخ، الذي قام بدراسة مومياء جليدية عمرها 5300 عام تم العثور عليها وهي تخرج من ذوبان الجليد في جبال أوتز تال بالقرب من الحدود النمساوية الإيطالية: أن الجثة محفوظة مادام الجليد موجوداََ. ويضيف نيرليش أنه على الرغم من أن المومياوات الجليدية نادرة جدًا إلّا أنه يمكن الحفاظ عليها جيدًا بشكل ملحوظ مقارنة بالمومياوات المُجففة. وذلك لأن الجفاف يُذبل ويُشوّه الأنسجة، لكن الأعضاء المُجمدة تحافظ في الغالب على شكلها. 

كما يُمكن للتربة الصقيعية، وهي الأرض التي تظل متجمدة طيلة العام، أن تساعد على التحنيط أيضًا. فقد تم تجميد مومياء سيبيريه يبلغ عمرها 2500 عام، في كتلة من الجليد بعد أن تجمد الماء الذي غمر حجرة دفنها. ولأن حجرة دفنها كانت مبنية على تربة صقيعية فالجليد الذي تشكل في الداخل لم يَذُب أبدًا. 

التجفيف بالتجميد

هنا يتم الجمع بين الظروف الباردة والجافة في تحنيط الجثث. وهذا ما حدث لحفنة من نساء وأطفال الإنويت في ثول في جرينلاند، فقد تم تحنيطهم بشكل طبيعي في قبورهم بعد وفاتهم، على الأرجح بسبب المجاعة أو المرض، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. فيقول عالم الحفريات نيلز لينيروب من جامعة كوبنهاجن، الذي درس المومياوات، إن الأمر يشبه إلى حد ما التجفيف الطبيعي بالتجميد. 

المستنقعات

يتضمن التحنيط الطبيعي دائمًا التخلص من الماء بطريقة أو بأخرى، إما عن طريق إزالته بالكامل أو تحويله إلى ثلج. لذلك قد يكون من المفاجئ بعض الشيء أن تتمكن المستنقعات الرطبة من الحفاظ على الرفات البشرية لآلاف السنين. بذلك تقول عالمة الآثار إيزابيلا مولهال من المتحف الوطني الأيرلندي: أن هناك العديد من العوامل التي تتسبب في تحنيط الرفات البشرية في المستنقعات. فنقص الأكسجين، والبيئة المظلمة الباردة ومستويات الحموضة في المستنقع لها دور في ذلك. فبهذه الطريقة تم تحنيط أقدم مومياء مستنقع وهي جثة “كاشيل مان” الذي ربما قُتل في تضحية حوالي عام 2000 قبل الميلاد. فقد تم تحنيط جسده بشكل طبيعي بسبب الظروف الكيميائية غير العادية في المستنقعات. 

وتضيف مولهال أن نوعًا من الطحالب الموجودة غالبًا في المستنقعات تساعد أيضًا في تحنيط الجثث، حيث تطلق طحالب Sphagnum جزيئًا سكريًا حمضيًا يسمى sphagnan، والذي يمتص العناصر الغذائية التي من شأنها أن تغذي الميكروبات التي تسبب التعفن. كما تعمل السوائل الحمضية الموجودة في المستنقعات على تغيير الجسم كيميائيًا، تمامًا مثل دباغة الجلود أو تخليلها. 

في نهاية الأمر وإن كان تحنيط الجثث يمكن أن يكون متشابهًا في حدوثه ما بين الصورة الطبيعية له وبين الطرق والمواد الكيميائية التي استخدمها البشر لاحقًا -بعد اعتماد الطبيعة كمصدر إلهام- لتُعطي ذات النتيجة للتحنيط الطبيعي؛ هناك أمر واحد لا يمُكن الاختلاف فيه أنه بصورة أو بأخرى تَمكّن البشر الحاليون. فقد كان للمومياوات القدرة على إخبارنا الكثير فيما يَخُص حياتهم ومجتمعاتهم السابقة، بذلك ساعدت البشرية على الرجوع بالزمن. أو كما يقول أريزا مشيرًا إلى المومياوات: بطريقة ما كانت كل هذه البقايا القديمة هي كبسولات زمنية لنا. 

حرر بواسطة:

  • إيمان دياب

    كاتبة ومحررة بقسم التحرير العام إيكوبوست
    غزة، فلسطين
    كلية الآداب بجامعة الأزهر (غزة، فلسطين) – بكالوريوس في اللغة الإنجليزية – فرع الترجمة (2020)


    إيمان عماد شعبان دياب كاتبة ومحررة فلسطينية، انضمت إلى قسم التحرير العام لمجلة إيكوبوست الإلكترونية في غشت 2023. هي خريجة كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية فرع الترجمة، من جامعة الأزهر في غزة عام 2020. عملت لسنوات في كتابة المحتوى العربي والإنجليزي في عدة مجالات: السياسية، والتعليمية، والأدبية، والاجتماعية، وغيرها. لإيمان اهتمامات أخرى بجانب الكتابة، منها القراءة ومتابعة الفن السينمائي والتلفزيوني، وتَتَبُع أخبار الفن المسرحي؛ بالإضافة إلى اهتمامها العميق بالموسيقى حيث تعزف إيمان على آلة البيانو.