الوشم أو لوشام كما يقول العامة، وبلغة العصر ” التاطواج”، ظاهرة بشرية عاشت مع الإنسان، واجتاحت مختلف أنحاء العالم. قبل أن تنتقل هذه الظاهرة إلى حوض البحر الأبيض المتوسط. وتتحول إلى ثقافة، لتظهر رموزا ورسومات ذات دلالات خاصة.
تاريخ الوشم قديما في المغرب
كانت ظاهرة الوشم شائعة في العديد من مناطق العالم، إذ كانت معروفة عند المصريين والصينيين والهنود والفرس… وفي المغرب، انتشرت هذه الظاهرة خلال سبعينيات القرن الماضي، خاصة عند الأمازيغ.
لم تترك هذه الظاهرة طبقة من البشر، فعمت أجساد الغني والفقير، وظهرت على أجساد الكبراء والملوك والأمراء، وقاصرات الطرف من النساء. هي رسومات تزيينية تجدها خاصة على وجوه الأمازيغيات وأجسادهن. لتترجم فيهن الرقة والأنوثة والخصوبة، ولتظهر في الذكور كل معاني الرجولة والفحولة. رسومات ليست مجرد عادية، بل تحمل تاريخا كاملا ودلالات قوية ومتعددة.
بين تعدد الرموز واختلاف الدلالات
لطالما ارتبط الوشم عند الأمازيغ بخلفيات ثقافية عديدة. إذ كان يوضع للوقاية من أضرار السحر والجسد والبؤس، ذلك ما يفسر اللون الأزرق الذي نجده في أجسادهم، معتقدين أنه مضاد للأرواح الشريرة.
كما استخدم في ما مضى لتحديد الانتماء القبلي، وتمييز مجموعة معينة عن غيرها. لكن أغلب النساء كن يتخذنه كزينة بهدف إثارة انتباه الرجال، لتلجأ المرأة إلى رسم كل ما تريد قوله على جسدها. فيما تضعه البنات في عمر معين من أجل إثبات أنهن وصلن إلى سن البلوغ.
ويمكن أن نلاحظ علامة “+” في خد النساء، وهو يرمز إلى حرف التاء (تامطوث), بمعنى المرأة الجميلة باللغة الأمازيغية. إضافة إلى الوشوم التي توضع على النهدين الدالة على خصوبة النسل.
نظرة المجتمع: هل هو ظاهرة سلبية أم حرية شخصية؟
تطور ثقافة الوشم جعل خصوصياته التقليدية تتلاشى شيئا فشيئا، فأضحى الوشم ظاهرة تغزو الشارع المغربي. وحسب دراسات قمنا بها على الناس الموشومين ونظرة المجتمع إلى الوشم، يظهر انقسام واضح حول ما إذا كانت الظاهرة تتعلق بحرية شخصية أو ظاهرة سلبية.
ورغم أن الوشم ليس اختراعا عصريا، لكنه ظل جزءا من تراث وعقائد العرب عبر حضاراتهم المختلفة. إلا أن تفشي هذه الظاهرة في مجتمعنا المغربي، يعكس حجم التأثيرات التي خلقتها ظروفهم الاجتماعية. إذ باتت في كل وشم مرسوم لغة تعبيرية تبحث عن التميز والانتماء المفقود. قبل أن يتحول الوشم مع الوقت إلى قضية مثيرة للجدل، بين مؤيدين يرونه تعبيرا صادقا عن الذات وعن الحرية الشخصية، ومعارضين يرونه مجرد تقليد وتأثر ساذج بالعولمة.
الندم على وضع الوشم
يقوم الإنسان في بعض مراحل حياته، خاصة في مرحلة الشباب، باتخاذ قرارات ربما يرغب في التراجع عنها في يوم من الأيام. ومن بين هذه القرارات: الوشم. عبد الرحمان، هو شاب مغربي يقطن بولاية كاليفورنيا الأمريكية، يحكي لنا قصته: “كنت أحب فتاة بالمغرب ودامت علاقتنا حوالي 7 سنوات، وكتعبير مني لحبي لها، وضعت وشما في صدري يحمل اسمها. بعد انتهاء هذه العلاقة، لم أتحمل رؤية ذلك الاسم في جسدي. ونظرا لخطورة إزالة الوشم والثمن الباهظ مقابل إزالته، قررت أن أضع وشما آخر فوقه يحمل تاجا، لكي لا يظهر اسم الفتاة مرة أخرى”.
كما صرح عبد الرحمان أنه لا ينصح الشباب على اتخاذ قرار وضع الوشم على أجسادهم. وذلك لسببين رئيسيين: أولا، لأنه يعد إدمانا. حيث قال “لا يمكن وضع وشمك الأول دون التفكير في وضع ثان، وبهذا تصبح مدمنا على وضعه في كل مرة”. وثانيا أنه مع مرور الوقت، ورغم الدلالة القوية التي يرمز إليها ذلك الرسم، يندم الإنسان على وضعه، ويصبح مجبرا على رؤيته طوال حياته.
خطورة الوشم وأضراره على الصحة
لا يتوقف الوشم عند اعتباره أداة للتمرد على المجتمع، بل يمثل أيضا مغامرة غير محسوبة، خاصة عند الربط بين رسم الوشم والإصابة بأمراض جلدية. وللحديث عن مخاطره، توجهنا إلى ثرية الحكيم، طبيبة مختصة في الأمراض الجلدية: “يجب الانتباه إلى العواقب الصحية للوشم. فهو إجراء طبي يتكون من إدخال إبر وحقن في الجلد، وبهذا ستنتج عنها جروح عديدة، ويجب أن تلتئم هذه الجروح. وعلى طول مدة التئام الجرح، يمكن أن يكون هناك خطر التعفن. إذن، فالوشم يمكن أن يسبب مضاعفات مختلفة على مستوى الجلد … هناك أخطار تعفنية محلية مثل الالتهابات البكتيرية (بكتيريا المكورات العنقودية)”.
وأضاف المتحدثة نفسها :”هناك أيضا أعراض التهابية أخرى على شكل حبيبات تعرف باسم “الورم الحبيبي”. كما أن هناك أضرار أخرى وهي الأضرار الفيروسية، على غرار التهاب الكبد B أو C، ولا سيما فيروس فقدان المناعة المكتسبة “السيدا”. وهو ما يمكن أن تنقله الحقن عن طريق الدم. إضافة إلى مخاطر أخرى كتلك المتعلقة بمخاطر الإصابة بالحساسية، والتي غالبا ما تكون بسبب نوع الحبر المستخدم”.