يعتبر النوم من الضروريات التي يحتاج إليها الإنسان لتجديد خلايا الجسم، تعزيز الإنتاجية، وتحسين التركيز. فالنوم يضطلع بدور أساسي لعمل الدماغ، إذ يضمن عمله على النحو الأمثل.
تختلف عدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان حسب عوامل عدة، أهمها السن. إذ تبدأ ساعات النوم الطبيعي للإنسان منذ ولادته من 16 ساعة. لتنخفض بعد ذلك المدة لـ 7 أو 8 ساعات في اليوم كحد أدنى، بالنسبة للبالغين وكبار السن.
ويعتبر شعور الشخص بالنعاس في بعض أوقات النهار أمرا عاديا، والذي قد يكون ناتجا عن العياء والإرهاق بعد قيامه بمهامه وأنشطته اليومية. أو لأنه لم ينعم بالنوم الهنيء والساعات الكافية.
لكن غير العادي هنا هو النوم المفاجئ في معظم أوقات النهار. فالأمر خطير وأعقد بكثير، فهنا لا نتحدث عن مسألة إرهاق، وانما إصابة بمرض النوم القهري.
ما هو النوم القهري؟
داء التغفيق، الخدار، كلها أسماء ومرادفات للنوم القهري. هو مرض مزمن وحالة دماغية نادرة. تجعل الشخص المصاب يشعر بالنعاس دون قدرته على مقاومته، كما أنه ناتج عن خلل في المخ. وبالتالي يكون هذا الأخير غير قادر على تنظيم دورات النوم والاستيقاظ بشكل طبيعي، مع صعوبة في التركيز. ما ينعكس سلبا على الروتين المعتاد للمريض.
أسباب الإصابة بالنوم المفاجئ
يعتبر السبب الكامن وراء الإصابة بمرض النوم القهري غير معروف، لكنه يمكن أن يكون ناتجا عن نقص في مادة كيميائية تدعى “هيبوكريتين”. وهو موصل عصبي كيميائي، له دور مهم في الدماغ. يتمحور في مساعدته على ضبط الشعور باليقظة ونوم حركة العين السريعة. إضافة الى التغيرات الهرمونية، التي يمكن أن تحدث أثناء البلوغ وانقطاع الطمث أو بسبب الضغوط النفسية.
كما كشفت الأبحاث عن وجود علاقة محتملة بين الخدار والإصابة بفيروس “إنفلونزا الخنازير”، أو اللقاح المستخدم ضده.
ومن العوامل المرجحة للإصابة بالمرض، عامل الوراثة، باعتبار أن الجينات تلعب دورًا هاما في الإصابة بالخدار. إلا أن احتمالية أن يُورث أحد الوالدين هذا الاضطراب للأبناء ضئيلة جدًّا، إذ تبلغ نسبة احتمالية الإصابة 1% فقط.
الأعراض
لا يواجه كل المصابين بالمرض الأعراض نفسها. إذ يمكن أن تظهر فجأة عند البعض، في حين تتأخر في الظهور لأسابيع أو سنوات للبعض الآخر. من الأعراض البارزة والدالة على الإصابة بمرض النوم القهري:
- فرط النعاس على مدى اليوم: يعاني الأشخاص المصابون بالخدار، من النوم المفاجئ، في أي وقت ومكان. وما يؤكد ذلك ويثبته أن المريض يمكنه أن ينام لبعض دقائق، وهو يتحدث مع أصدقائه أو في اجتماع مهم، وعندما يستيقظ يشعر بالانتعاش. لكن ما إن تمضي ساعات قليلة حتى يشعر بالنعاس مرة أخرى.
- شلل النوم: يعتبر شلل النوم من العلامات الدالة على الإصابة، وهو عجز مؤقت عن الحركة أو الكلام أثناء الخلود إلى النوم أو عند الاستيقاظ. تستمر هذه النوبات في الغالب لبضع ثوانٍ أو بضع دقائق.
- الجمود أو “نوبة خمود”: وهو ضعف وفقدان التحكم في العضلات، وتحدث هذه النوبات عند الإثارة، الضحك، الغضب أو المفاجأة.
- الهلاوس: والتي تنقسم لصنفين، هلاوس تنويمية إن حدثت في مرحلة الاستغراق في النوم. في حين تسمَى هلاوس ما قبل اليقظة إن حدثت وقت الاستيقاظ. وقد تكون هذه الهلاوس ملموسة ومخيفة. لأن المريض قد لا يكون مستغرقا في النوم بشكل كامل عندما يبدأ في أحلامه. وقد يخلط بين أحلامه والواقع، فمثلا يمكنه الشعور بأن هناك شخصا غريبا في غرفة نومه.
- تنضاف لهذه العلامات أعراض أخرى تؤكد الاصابة بالمرض. مثل مشاكل في الذاكرة، كثرة الأحلام، الاستيقاظ في الليل والصداع …
“أعاني من مرض النوم القهري خاصة في المساء”
في تصريح لجريدة ايكوبوست، قال مصطفى إنه يعاني من أعراض النوم القهري، لمدة طويلة تقدر بسنوات، دون معرفته بحالته. ظنا منه أن شعوره الدائم بالنوم، الذي ينتابه طوال النهار، ماهو إلا نتيجة للتعب والإرهاق.
وأوضح المريض السبعيني في تصريحه، أنه بعد بحثه عن الأسباب المؤدية للإصابة بالمرض. خلص إلى أن المرض انتقل إليه من أبيه، والذي كان يعاني من نفس أعراضه.
وقال مصطفى إنه على غرار المرضى الآخرين الذين يعانون من نوبات النوم المفاجئ، فإنه يعاني منها غالبا في المساء. بسبب تناوله لبعض العقاقير المنبهة التي تساعده على البقاء مستيقظا. لافتا إلى أن اصابته بالنوم القهري، سببت له عدة مواقف محرجة ناهيك عن حوادث سير نجا منها بأعجوبة.
ما الذي يمنعنا من النوم؟
قال الباحث في العلوم العصبية والسلوك البيولوجي وجراحة الدماغ، ياسين يشو، في حوار مع جريدة ايكوبوست، إن الضوء الناتج عن المصباح أو الضوء المنبعث من أشعة الهواتف، تجعل العين ترسل إشارات للدماغ تخبره بالبقاء مستيقظا.
وبالتالي يصبح عقل الإنسان يعتمد على أشياء أخرى لإفراز “هرمون الميلاتونين”، المسؤول عن تنظيم إيقاع الليل والنهار وتحديد وتنظيم دورات النوم، والتي تنقسم إلى مرحلتين: مرحلة النوم الخفيف التي يقل فيها وعي الشخص بمن حوله، ويتباطؤ فيها معدل ضربات القلب وتنخفض درجة حرارة جسمه. تستمر هذه المرحلة لمدة عشرين دقيقة، ليستعد بعدها الجسم للمرحلة الثانية المسماة مرحلة النوم العميق. حيث ترتخي عضلات الجسم ويصعب إيقاظ الشخص النائم.
وأضاف الطبيب في حديثه أن من بين الأشياء الأخرى التي لا تساعد على النوم، الكحول، شرب القهوة والضوضاء. لافتا إلى أن دورة الحياة مرتبطة أساسا بالتوازن بين هرمون الميلاتونين وهرمونات أخرى.
علاقة الإصابة بالمرض بسن المريض
نفى الدكتور ياسين يشو ارتباط إصابة المريض بالنوم القهري بسنه، نظرا لأن المرض وراثي. مشيرا إلى أن الأمراض التي ترتبط الإصابة بها بسن المريض، هي الأمراض الناتجة عن موت الخلايا بشكل تدريجي.
وأضاف في حديثه أن داء التغفيق يمكنه أن يصيب أشخاصا من فئات عمرية مختلفة ومن كلا الجنسين. مبرزا أن أعراض المرض، والتي تم الإشارة إليها سابقا، قد تظهر للبالغين وكبار السن، مثل ما يمكن أن تظهر للشباب والأطفال.
وفي إجابته عن سؤال حول المدة الزمنية التي يمكن للمريض أن ينام فيها فجأة، قال الدكتور ياسين يشو إنه لا يمكن تحديد مدة زمنية معينة، لأنها تختلف من حالة لأخرى.
وذكر في حديثه أيضا أن مدة النوم، مرتبطة أساسا بحدة المرض وتفاوته من مريض لآخر. فكل ما كانت خطورة المرض كبيرة، كل ما كان إفراز هرمون الحياة “الميلاتونين” أكثر وبالتالي مدة النوم أكبر.
ما هي سبل علاج مرض النوم القهري؟
حسب الباحث في العلوم العصبية، ياسين يشو، لم يظهر علاج للمرض بشكل نهائي، واصفا إياه بالمعقد. في مقابل ذلك، قال المتحدث نفسه، إنه يمكن للمريض أخذ بعض الأدوية التي تساعد إلى حد ما على تعطيل الخلايا المفرزة لهرمون الميلاتونين.
ونصح الطبيب في ختام حديثه، مرضى النوم القهري، بالابتعاد عن استخدام الهاتف قبل النوم. مع ضرورة ممارسة التمارين الرياضية التي تساعد على النوم ليلا، سواء في البيت إن كانت المساحة كافية أو في مساحات خضراء. وأكد على ضرورة تكرارها ليلا قبل النوم، والاستحمام بالماء الدافئ، الذي يساعد على استرخاء الجسم والنوم بشكل أسرع.
كما حث، في سياق حديثه، على ضرورة تناول فيتامينات وأدوية منشطة، وذلك للتغلب على النعاس الشديد والبقاء مستيقظا طوال النهار.
من جهة أخرى، أشار إلى أن هدوء وعتمة غرفة النوم ودرجة حرارتها، والوسادة والسرير المريحين. من الأمور الضرورية والمساعدة جدا على التمتع بنوم هادئ وعميق وبالتالي راحة الجسم.
