بعض الأفعال المتكررة والانزعاج المتكرر من شيء يحدث أمامنا قد لا يكون طباعاً عادياً فقط. بل، وإذ ربّما غصنا قليلاً في الأعراض المتكررة، نجد أنّها قد تصنف كمتلازمة الميسوكنسيا.
يعود اسم “الميسوكنسيا” إلى اللغة اللاتينية ويعني “كراهية الحركة”. وهي حالة يكون فيها الشخص غير قادر على تحمل رؤية حركات متكررة أمامه بشكل معين. تثير هذه المحفزات البصرية أعصابه وتسبب له التوتر وعدم التركيز، كما تؤثر على عملية التعلم داخل الفصول الدراسية، وعلى العديد من الأشخاص في بيئة العمل.
تمت وصف الاستجابات السلبية للمحفزات البصرية بـ “الميسوكنسيا” لأول مرة عام 2013. وذلك في ورقة بحثية للباحث بجامعة أمستردام الطبية والطبيب النفسي الهولندي الدكتور أرغان شرودر عندما لاحظ ردود الأفعال الغاضبة للمشاركين في بحثه عند رؤية أشخاص يحركون أجزاء من أطرافهم بشكل متكرر. وكان بحثه يناقش في الأساس ظاهرة الميزوفونيا (حساسية الصوت الانتقائية).
وينقل موقع “ويل آند غود” عن أستاذة علم النفس ومؤسسة أكاديمية علم الأعصاب المعرفي والسلوكي الدكتورة هايلي نيلسون أن متلازمة “ميسوكنسيا” تمثل نوعا من الحساسية البصرية تجاه الحركات المتكررة للآخرين. وتنتج عن اضطرابات عصبية في الدماغ تؤدي إلى استجابات عاطفية سلبية قوية. وتوضح أن علماء الأعصاب لا زالوا يبحثون في أسباب هذه الظاهرة.
ووفق نيلسون، تختلف كراهية الحركات عن متلازمة “الميزوفونيا”. والتي تعبر عن حساسية الصوت الانتقائية أو التوتر عند سماع أصوات لأشياء قد تبدو بسيطة، مثل صوت تنفس الآخرين أو صوت مضغ العلكة أو أصوات لوحة المفاتيح أثناء الكتابة على الحاسوب. ظاهرة الميسوكنسيا تختلف عن متلازمة “الميزوفونيا” وتنتشر بين الناس على نطاق واسع، وتزداد مع التقدم في السن.
انتشار الميسوكنسيا بين الناس على نطاق واسع
في دراسة أجرتها جامعة كولومبيا البريطانية عام 2021. وتعد الأولى من نوعها، حول اضطراب “الميسوكنسيا”، توصل كل من أستاذ علم النفس في جامعة كولومبيا الدكتور تود هاندي، وطالبة الدكتوراه في قسم علم النفس سمويت جاسوال إلى أن ظاهرة الميسوكنسيا تنتشر بين الناس على نطاق واسع. إذ يعاني منها شخص واحد من كل 3 أشخاص (37.1%)، وأنها تزداد مع التقدم في السن.
واهتمت الدراسة التي تألفت من 3 أجزاء وشملت 4100 مشارك، بتقييم الآثار العاطفية والاجتماعية للظاهرة من خلال إبلاغ المشاركين عن ردود أفعالهم عند رؤية الأشخاص يتململون أمامهم.
وبصفتها المؤلفة الرئيسية للدراسة، قالت سوميت جاسوال، في بيان صحافي نشره تليفزيون “سي تي في” الكندي، إن الأسباب المعلنة حتى الآن لهذه الظاهرة تتعلق بالخلايا العصبية المرآتية، وهي نوع من الخلايا المسؤولة عن فهم سلوك الآخرين. وتضيف أن الأشخاص المصابين بالحساسية تجاه الحركة قد يعانون من خلل في هذه الخلايا المرآتية التي تنشط بشكل كبير مع رؤية الحركات المتكررة للآخرين، فتعمل على معالجة المعلومات والمواقف بشكل مختلف، مما يؤدي إلى شعورهم بعدم الراحة.
وتوضح جاسوال “أحد أسباب تململ الناس هو شعورهم بالقلق والتوتر، لذا عندما يراهم الأشخاص الحساسون للإشارات البصرية، فإن خلاياهم المرآتية تعكس هذا الشعور دون وعي. وبذلك يشكل تعاطفهم عبئا نفسيا عليهم”. وتؤكد أن بعض العوامل، ومنها الشعور بالقلق والإجهاد أو عدم أخذ قسط كاف من النوم، تجعل الشخص أكثر عرضة للتأثر السلبي والمتزايد تجاه تململ الآخرين أمامه.
الآثار السلبية لمتلازمة الميسوكنسيا
وفي مقال له بموقع “كونفرسيشن”، قال تود هاندي إن ردود أفعال المصابين بمتلازمة الميسوكنسيا تنعكس على أدائهم وحياتهم. وتصل في بعض الأحيان إلى الإساءات اللفظية. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يصل في أحيان أخرى إلى تخريب العلاقات الاجتماعية.
ويضيف هاندي أن بعض المشاركين أفادوا بأنهم ألغوا أو تهربوا من بعض المناسبات الاجتماعية بسبب انزعاجهم وعدم ارتياحهم لرؤية حركات الآخرين المتكررة أمامهم. مما يؤكد التأثير السلبي لهذه الظاهرة على الحياة الاجتماعية والعاطفية للشخص المصاب.
وأضاف هاندي أنه بعد الدراسة والتقصي وجد وزميلته أنه إضافة إلى المشاعر السلبية وردود الفعل المنفرة التي يثيرها تململ الآخرين. فإن ذلك يعيق كذلك القدرة على الانتباه والتركيز لدى الأشخاص الذين يعانون من كراهية الحركة، رغم أدائهم الجيد في التقييمات الأساسية للذاكرة.
وأكد الباحثان أن هذه الظاهرة النفسية هي نوع من التحدي الاجتماعي الذي يواجهه الكثيرون حول العالم في صمت. ولهذا أنشأ الباحثان موقعا إلكترونيا يخص كل ما يتعلق بهذه الظاهرة، وليكون مرجعا تعتمد عليه الدراسات المستقبلية.
كيف تدير الانفعال الناتج عن الميسوكنسيا؟
يُظهر اضطراب الميسوكنسيا مدى تعقيد أدمغتنا وطرق استجابتها للمحفزات العادية بطرق مختلفة وفريدة وغير متوقعة أحياناً. وتوجد بعض التقنيات لإدارة الضيق الناتج عن هذه المتلازمة مثل:
- حجب رؤية الشخص المتململ.
- ممارسة تمارين اليقظة الذهنية مثل تمارين التنفس العميق والتأريض.
- العلاج السلوكي المعرفي لتغيير أنماط التفكير السلبية وتخفيف الاضطراب العاطفي.
- استشارة أخصائي الصحة النفسية إذا بدأ التوتر والضيق من تململ الآخرين في التأثير على نوعية الحياة والاستمتاع بالأنشطة الاجتماعية. وذلك للمساعدة في التدريب على تقليل حساسية استجابة مناطق الدماغ المسؤولة عن تفسير مثل هذه الحركات بمرور الوقت.
الأنواع الشائعة من اضطرابات الحركة
- الرنح: يؤثر هذا الشكل من اضطراب الحركة في الجزء المسؤول داخل الدماغ عن التحكم في تناسق حركة الجسم. قد يسبب الرنح انعدام التناسق في الاتزان أو الثقل في الحديث أو حركة الأطراف، وغير ذلك من الأعراض. هناك العديد من أسباب الرنح، منها الاضطرابات الوراثية والتنكسية. وقد يحدث الرنح أيضًا بسبب عدوى أو حالة مرضية أخرى قابلة للعلاج
- خلل التوتر العنقي: في حالة خلل التوتر العنقي، تنقبض عضلات الرقبة لا إراديًا، ما يسبب التفاف الرأس إلى أحد الجانبين أو ميلها إلى الأمام أو الخلف، وربما يصاحب ذلك اهتزاز.
- الرُّقاص: يتسم الرُّقاص بالحركات اللاإرادية المتكررة والقصيرة وغير المنتظمة والسريعة نوعًا ما. وعادة ما تكون هذه الحركات في الوجه والفم وجذع الجسم والأطراف، وقد يبدو الرقاص كأنه نوع مبالغ فيه من التململ.
- خلل التوتر: تحدث في هذه الحالة المرضية تقلصات عضلية لا إرادية مستمرة مصحوبة بحركات التوائية متكررة، وقد يصيب خلل التوتر الجسم كله أو جزءاً واحداً من الجسم.
- اضطراب الحركة الوظيفي: قد تشبه هذه الحالة المرضية أياً من اضطرابات الحركة. إلا أن اضطراب الحركة الوظيفي لا يحدث بسبب مرض عصبي، ومن الممكن علاجه.
- داء هنتنغتون: مرض وراثي تصاعدي يمكن تأكيد الإصابة به من خلال اختبار الجينات. يتكون داء هنتنغتون من ثلاث مكونات: حركات لا إرادية ومشكلات إدراكية وحالات مرضية نفسية.
- لضمور الجهازي المتعدد: يصيب هذا الاضطراب العصبي غير الشائع العديد من أنظمة الدماغ ويتفاقم بشكل تدريجي. يسبب الضمور الجهازي المتعدد اضطرابًا في الحركة؛ مثل الرنح أو الباركنسونية. ويمكن أن يسبب أيضًا انخفاضاً في ضغط الدم وضعفاً في عمل المثانة والتحرك أثناء الأحلام.
- الرمع العضلي: تسبب هذه الحالة المرضية نفضات عضلية سريعة.
- مرض باركنسون: يتسبب هذا المرض بطيء التدرج في حدوث رعشات أو تيبس لعضلات أو بطء في الحركة أو قلتها أو اختلال التوازن. وقد يسبب أيضاً أعراضاً أخرى غير مرتبطة بالحركة مثل ضعف حاسة الشم والإمساك والتحرك أثناء الأحلام وانخفاض مستوى الإدراك.
- الشلل فوق النووي التصاعدي: اضطراب عصبي نادر يسبب مشكلات في المشي والتوازن وحركات العين.
- متلازمة تململ الساقين: يتسبب هذا الاضطراب الحركي في الشعور بعدم راحة في الساقين أثناء الاسترخاء أو الاستلقاء، وتخف حدته غالباً عند الحركة.
- خلل الحركة المتأخر: تحدث هذه الحالة المرضية العصبية بسبب الاستخدام طويل الأمد لبعض أدوية علاج الحالات المرضية النفسية التي تسمى الأدوية المضادة للذهان. ويسبب خلل الحركة المتأخر حركات متكررة لا إرادية مثل التقطيب وغمز العينين وغيرهما من الحركات.
- متلازمة توريت: حالة مرضية عصبية تبدأ بين سنوات الطفولة والمراهقة ويصاحبها تكرار في الحركات والأصوات.
- الرعاش: يسبب اضطراب الحركة هذا اهتزازًا منتظماً لأجزاء الجسم، مثل اليدين أو الرأس أو أجزاء أخرى من الجسم.
- داء ويلسون: اضطراب وراثي نادر يتسبب في تراكم كميات زائدة من النحاس في الجسم، ما يتسبب في مشكلات عصبية أو يؤدي إلى خلل التوتر أو الرعاش أو الباركنسونية أو الرنح.